كتاب تفسير العثيمين: فاطر

نِعْمَتِه للغايَة؛ وهي كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: ١٥٢] ليس المُرَادُ أيضًا أن تَذْكُرَ النِّعْمَةَ فقط، بل لا بُدَّ من قَرْنِ هذا الذِّكْرِ بالشُّكْرِ.
فصار الذِّكْرُ يَشْمَلُ ثلاثَةَ أُمورٍ: الذِّكْر بالقَلْبِ، واللِّسانِ، والجوارِحِ.
وَقَوْله تعالى: {نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}: (نِعْمَةَ) مفردٌ مضاف، فيَشْمَلُ جميع النِّعَمِ، وهي كثيرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨].
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بِإِسْكانِكُمُ الحَرَمَ ومَنْعِ الغاراتِ عنكم] هذا التَّفْسيرُ بناءً على أنَّ المُخاطَبَ أَهْلُ مَكَّة، ولكن نقول: {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بالنِّعَمِ التي لا تُحْصَى، وهي كثيرةٌ جدًّا كما أسْلَفْنا الأَمْثِلَة عليها، فتكونُ نِعْمَةً بالإيجادِ والإِمْدادِ والإِعْدادِ، كلُّ هذه مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} يعني: إذا تَقَرَّرَ أنْ شَكَرْتُم نِعْمَةَ الله عليكم فإنَّنا نُوَجِّهُ إليكم هذا السُّؤالَ المُتَضَمِّنَ للنَّفْيِ.
قال: [{هَلْ مِنْ خَالِقٍ}: {مِنْ} زائِدَةٌ، {خَالِقٍ}: مُبْتَدَأ، {غَيْرُ اللَّهِ} بالرَّفْعِ والجَرِّ نعتٌ لـ {خَالِقٍ} لفظًا ومَحَلًّا، وخَبَرُ المُبْتَدَأ {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ}].
{هَلْ}: حرفٌ فهي أداة اسْتِفْهام.
و{مِنْ} زائِدَةٌ زائِدَة، وكيف (زائِدَةٌ زائِدَة)؟ أي: زائِدَةٌ لَفْظًا زائِدَةٌ للمَعْنى؛ لأنَّها تُفيدُ توكيدَ النَّفْيِ والتَّنْصِيصَ على الأُمُور، و {خَالِقٍ} إذن مُبْتَدَأ مرفوع بضَمَّةٍ مُقَدَّرَة على آخِرِه مَنَعَ من ظُهورِها اشْتِغالُ المَحَلِّ بحركَةِ حَرْفِ الجَرِّ الزَّائِد.

الصفحة 31