كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الآية (٤٤)
* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرً} [فاطر: ٤٤].
* * *

ثم قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} الهَمْزَةُ هنا للإسْتِفْهامِ، والمُرَادُ به التَّوْبيخُ والتَّقْريعُ، وهذه الهَمْزَةُ الإسْتِفْهامِيَّةُ هل هي داخِلَةٌ على الجُمْلَة الموجودةِ المَذْكورَةِ، أو على جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ يُعَيِّنُها السِّيَاقُ؟
في هذا قَوْلانِ لأَهْلِ العِلْمِ في النحو؛ فمنهم من يقول: إنَّها داخِلَةٌ على هذه الجُمْلَة المَذْكورَة، وعلى هذا القَوْلِ يقولون: إنَّ التَّقْديرَ (وَأَلَمْ يَسيروا) فيجعلون الواوَ مُقدَّمَةً على الهَمْزَةِ؛ لأنَّه لا يُمْكِن أن تُجْعَلَ الهَمْزَة مُقَدَّمَةً على الواو، والواو حَرْف عَطْف تَقْتَضي معطوفًا عليه، فيقولون: إنَّ الهَمْزَة مُتَأَخِّرَةٌ والواو حَرْفُ عطف، وهذه الجُمْلَة مَعْطوفة على ما سبق.
وهذا الوَجْهُ لا شَكَّ أنَّه أَسْهَلُ وأَيْسَرُ؛ إذ لا يَتَكَلَّفُ الإِنْسَانُ فيه العَناءَ في ذلك الشَّيْءِ المَحْذُوفِ المقَدَّرِ.
وهو القَوْلُ الثاني: أنَّ الهَمْزَة داخِلةٌ على مَحْذُوفٍ يُعَيِّنُه السِّيَاقُ، ففي مثل هذه الآيَة، نقول: تَقْديرُ الكَلَام: أَغَفَلُوا ولم يَسيروا في الأَرْض أو كَلِمَةً نحوها، وهذا

الصفحة 310