كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الجواب: السَّيْرُ بالقَلْبِ أَشْمَلُ وأَهْوَنُ؛ لأنَّه بإمكانِ الإِنْسَانِ أن يَطوفَ الدُّنْيا كُلَّها في ساعَةٍ واحِدَةٍ، وأسهل؛ والسَّيْرُ بالقَدَمِ أشَدُّ تأثيرًا لأنَّه يشاهِد؛ فـ (ما راءٍ كَمِنَ سَمِعَ) ولهذا أمر النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلنا على ديار المُعَذَّبينَ، أَمَرَنا ألَّا نَدْخُلَ إلا ونَحْنُ باكون أن يُصيبَنا ما أصابَهُم (¬١) حتى نَعْتَبِرَ ونُصَحِّحَ المَسيرَ.
وَقَوْله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}: {فِي} هنا قال العُلَماءُ رَحِمَهُم اللَّهُ: إنَّها بمَعْنى (على) ولا تصح أن تكون للظَّرْفِيَّةِ؛ لأنَّ الظَّرْفِيَّةَ تَقْتَضي أن يكون السَّائِرُ في جوف الظَّرْفِ، ومعلومٌ أنَّ السَّائِرَ في الأَرْضِ لا يَسيرُ في جَوْفِ الأَرْضِ، هل هو يفتح نَفَقًا ليسير فيه؟ لا، بل يسير على ظَهْرِها؛ قالوا فـ (في) بمَعْنى (على) ونظيرها قَوْله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أي على جُذوعِ النَّخْل.
وَقَوْله تعالى: {فِي الْأَرْضِ}: (أل) يُحْتَمَل أن يُرادَ به الجِنْسُ، ويُحْتَمَل أن يراد بها العَهْدُ، فعلى الأَوَّل يكون المُرَادُ بالسَّيْر في جِنْسِ الأَرْض التي أصيبَتْ بِغَضَبٍ والتي لم تُصَبْ، وعلى الثاني يكون المُرَادُ بالأَرْض التي أصيبت بالغَضَبِ، فتكون (أل) هنا للعَهْدِ الذِّكْري؛ لأنَّ العَهْدَ الذِّكْري لا بُدَّ أن يكون هناك مذكورٌ تعود عليه (أل) أمَّا إذا لم يكن هناك مذكورٌ فهو عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ.
وَقَوْله تعالى: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فينظروا الفاء هنا قيل إنَّها عاطِفَة، وقيل إنَّها سَبَبِيَّة؛ فعلى أنَّها عاطفة يكون الفِعْلُ بعدها مَجْزومًا، وعلى أنَّها سَبَبِيَّة يكونُ الفِعْل بعدها مَنْصوبًا؛ فعلى كَوْنِها سَبَبِيَّة يكون التَّقْديرُ: أَوَلَمْ يسيروا في الأَرْض
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحِجر، رقم (٤٤١٩)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم (٢٩٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الصفحة 312