كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فِبَسَبَبِ سَيْرِهِم يَنْظُروا، وعلى أنَّها عاطِفَةٌ يكون المَعْنى: أوَلَمْ يسيروا في الأَرْض ولَمْ يَنْظُروا كيف كان عاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهم؟
والنَّظَرُ هنا هل هو نَظَرُ القَلْبِ أو نَظَرُ العَيْنِ؟
الجوابُ: إذا قلنا إنَّ السَّيْرَ سَيْرَ القَدَمِ فالنَّظَرُ نَظَرُ العَيْنِ، وإذا قلنا إنَّ السَّيْرَ سَيْرُ القَلْبِ فالنَّظَرُ نَظَرُ القَلْبِ؛ إذن: تكون شاملةً للأَمْرَيْنِ حَسَبَما نُفَسِّرُ السَّيْرَ فيما سبق.
وَقَوْله تعالى: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} هذه الجُمْلَة الإسْتِفْهامِيَّة عَلَّقَتْ (ينظروا) عن العَمَلِ، يعني: فينظروا كيف كان عاقِبَتُهُم؛ يعني أيَّ عاقِبَةٍ كانت لَهُم: هل نُعِّموا وأُكْرِموا أو عُذِّبوا وأُهْلِكُوا فينظروا، فإذا نظر الإِنْسَان العاقِلُ فسوف يَعْتَبِرُ ويقيس الحاضِرَ على الغائِبِ.
وَقَوْله تعالى: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ}: (عاقِبَةُ) الشَّيْءِ مآلُهُ {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} عاقِبَة الذين من قَبْلِهِمُ الهلاكُ؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] فانظروا إلى آثارِهِم كانت الدَّمار فإذا كانت الدَّمار وسَبَبُه التَّكْذيب والإسْتِكْبار فإنَّ السَّبَبَ الذي كان فيما سبق مُؤَدِّيًا إلى هذا الهلاكِ فإنَّه سيكون مؤدِّيًا إليه فيما لَحِقَ ولا فَرْقَ.
قال الله تعالى: {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}: (كانوا) الضَّميرُ يعود على السَّابِقينَ {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} يعني: أقوى منهم قُوَّةً، ومع ذلك لم تَنْفَعْهم قُوَّتُهم ولم تَمْنَعْهُم، وأَهْلكوا، وانظر إلى قَوْل عادٍ: مَنْ أَشَدُّ منا قُوَّة؛ قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥]، وكانت عادٌ مِن أقوى الأُمَمِ أَجْسامًا وصَلَابَةً وعَزْمًا، حتى إنَّهم تَحَدَّوْا وقالوا: من أشَدُّ منا قُوَّة؛ فقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

الصفحة 313