كتاب تفسير العثيمين: فاطر

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وأَهْلَكَهُم بأَلْطَفِ الأَشْياءِ؛ أَهْلَكَهُم بالرِّيحِ؛ قال فرعون: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزُّخرُف: ٥١] فافتَخَرَ بِجَرَيانِ الأَنْهارِ وهي المياه من تحته، فأُهْلِكَ بالغَرَقِ بالماء الذي كان يَفْتَخِرُ به.
فالإِنْسَانُ العاقل إذا رأى حالَ هذه الأمم وقُوَّتها وأنَّ هذا لم يَنْفَعْهُم ولم يَمْنَعْهم من عقابِ الله فلا بُدَّ أن يَعْتَبِرَ.
قال: {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} الواو هنا في قَوْله تعالى: {وَكَانُوا} يُحْتَمَلُ أن تكون عاطِفَة ويُحْتَمَل أن تكون للحالِ والتَّقْدير: وقد كانوا أشَدَّ منهم قُوَّةً.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [فأَهْلَكَهُم الله بِتَكْذيبِهِمُ رُسُلَهُم] {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} هنا إذا تأمَّلَ الإِنْسَان الآيَةَ، يقول: إنَّ الله تعالى لم يذكر عاقبة هؤلاء المُكَذِّبينَ في الآيَة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فلماذا لم يَذْكُرْها؟
الجواب: اعتمادًا على هذا السَّائِرِ الذي يسير فيَنْظُرُ، فمعناه: احْكُمْ أنت بِنَفْسِكَ على هؤلاء؛ فلا حاجة لأن أُخْبِرَك بأنَّ الله أَهْلَكَهُم؛ لأنَّه سوف تحكم على هذا بما تراه من آثارِهِم.
قال رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} يَسْبِقَه ويَفُوتَهُ {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}].
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} اللَّام هنا يُسَمِّيها النَّحْويُّون لام الجُحُودِ وهو النَّفْيُ؛ لأنَّها وَقَعَتْ بعده - أي بعدَ النَّفْيِ - وضابِطُ لام الجحود أن تقع بعد كَوْنٍ مَنْفِيٍّ، وإذا أردنا أن نُقَرِّبَها إلى المبتدئ نقول: أن تقع بعد (ما كان) أو (لم يكن) قال

الصفحة 314