كتاب تفسير العثيمين: فاطر

كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: ٤] ولكِنَّ العَجْزَ في الواقِع هو عَدَمُ القُدْرَةِ على الشَّيْء، وهذا أولى من تَفْسيرِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ.
يقول: ما كان الله تعالى ليَحُولَ بينه وبين ما يُريدُ عَجْزٌ في قُدْرَتِهِ بل هو قادِرٌ على كلِّ شَيْءٍ من إيجادِ مَعْدومٍ أو إيجادِ مَعْدومٍ أو تَغْييرِ حالٍ أو غَيْرِ ذلك، فالله تعالى لا يُعْجِزُه شَيْءٌ؛ لا في السَّمَوات ولا في الأَرْض؛ لأنَّ أَمْرَه عَزَّ وَجَلَّ إذا أراد شيئًا أن يقول كُنْ فيكونُ، بدون أيِّ عَمَلٍ، كَلِمَةٌ واحِدَةٌ تَجْعَلُ الشَّيْء على حَسَب مُرَادِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فلا يُعْجِزُه شَيْء لا في السَّمَوات ولا في الأَرْض، وإذا كان لا يُعْجِزُه شَيْء، لا في السَّمَوات ولا في الأَرْض فإنَّه لن يَعْجِزَ عن إهلاكِ المُكَذِّبينَ الذين كَذَّبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
يقول رَحِمَهُ الله: [{إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا} أي بالأشياءِ كُلِّها {قَدِيرًا} عليها] الجُمْلَة مَوْقِعُها مِمَّا قبلها أنَّها تعليلٌ؛ فلما قال ما كان الله لِيُعْجِزَه عَلَّلَ هذا الحُكْمَ المنْفِيَّ بِقَوْله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.
والعِلْم إدراك الشَّيْء على ما هو عليه، والقُدْرَةُ التَّمَكُّنُ من الفِعْل بلا عجز، والقُوَّةُ التَّمَكُّن من الفِعْل بلا ضَعْفٍ، فهي أخَصُّ من القُدْرَة من وَجْهٍ، وأعَمُّ منها من وجهٍ آخر كما سَنَذْكُره.
فما هو وَجْهُ كَوْنِه عَزَّ وَجَلَّ لعِلْمِه وقُدْرَتِهِ لا يُعْجِزُه شَيْء؟
الجواب: لأنَّ العاجِزَ عن الشَّيْء إمَّا أن يكون لعَدَمِ عِلْمِه للأَسْبَاب التي يغيِّرها به، وإمَّا أن يكون لعَدَمِ قُدْرَتِهِ، فلو تأمَّلْتَ عَجْزَ أيِّ عاجِزٍ لوجدت السَّبَبَ في عَجْزِه إمَّا أنَّه لا يَعْلَمُ وإمَّا أنَّه لا يَقْدِرُ.

الصفحة 316