كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فلو قِيل لرجُلٍ: نُريد أن تُصلِحَ هذه السَّاعَة الخَرِبَة قال: أعطني إيَّاها، وهو لا يَعْرِف أبدًا وما دَرَسَ، وعنده آلاتٌ لإِصْلاحِها وعنده قُوَّةٌ بَدَنِيَّة، فهل يَقْدِرُ أن يُصْلِحَها؟
والجواب: لا؛ لأنَّه ليس عنده عِلْمٌ، فلا يقدر أن يُصْلِحَها بل يُمْكِن أن يُفْسِدَها أكْثَرَ.
ورجل آخر: عنده عِلمٌ وقد درس عِلْمَ تَصْليحِ السَّاعاتِ مثلًا، لكن ليس عنده قُدْرَةٌ بَدَنِيَّة وهو مشلول، فهل يُمْكِن أن يُصْلِحَها؟
الجواب: لا يُمْكِن؛ لِعَدَمِ القُدْرَة.
إذن: انتفاء عجْزِ الله عَزَّ وَجَلَّ لكمالِ عِلْمِهِ وكمال قُدْرَتِهِ، وبهذا نعرف أنَّه لا يوجَدُ نَفْيٌ مَحْضٌ في صفاتِ الله، بل كُلُّ نَفْيٍ في صفاتِ الله فهو مُتَضَمِّنٌ لِثُبوتِ كمالِهِ، ولا يُمْكِن أن يوجد نفيٌ مَحْضٌ؛ ولهذا لما نفى العَجْزَ بيَّن السَّبَب؛ قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّنا يَنْبَغي أن نَنْظُرَ إلى عاقِبَةِ السَّابِقين نَظَرَ اعْتِبارٍ بِمآلهِم حين كَذَّبوا رُسُلَهُم وليس اعتبارًا بقُوَّتِهم وصناعَتِهِم وطِرازِهِم وما أشبه ذلك، وإذا طبَّقْنا هذا على واقِعِ النَّاسِ اليوم الذين يَذْهَبون إلى ديارِ ثَمودَ؛ وجدنا أنَّهم يَذْهَبون إليها لا لِيَعْتَبِروا بما صَنَعَ الله بهم من العُقُوبَةِ لتَكْذيبِهِمُ الرُّسُلَ، ولكن لِيَنْظُروا كيف كانت قُوَّتُهم وصِناعَتُهم وزخارِفُهم وما أشبهه، وهذا حرامٌ، فلا يجوز أن يذهب الإِنْسَان إلى ديار هؤلاءِ المُكَذِّبينِ لهذا الغَرَضِ؛ لِقَوْل الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لا تَدْخُلوا على

الصفحة 317