كتاب تفسير العثيمين: فاطر

هَؤُلاءِ المُعَذَّبينَ إِلَّا أَنْ تَكُونوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُوُنوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ" (¬١).
مَسْأَلَة: السَّيْرُ في الأَرْض لِلإعْتِبَارِ لَا بَأْسَ بِهِ، وإذا كانت مَصْلَحَتُه أكثر من نقصه كان مَحْمُودًا، وإن كان نَقْصُه أَكْثَرَ من مَصْلَحَتِه فإنَّه لا يَنْبَغي، فمثلًا لو ذهب ينظر في آياتِ الله تعالى في الجبالِ الشَّاهِقَة وفي الأَنْهار وفي البِحارِ وما أشبه ذلك، فهذا حسنٌ مَحْمودٌ، لكن إذا كان يُكَلَّفُ من النَّفَقَة أكثر مِمَّا يَنْتَفِعُ به الإِنْسَان فإنَّه يُنْهَى عنه؛ لأنَّ في ذلك إِضاعَةَ المالِ، أمَّا إذا كانت النَّفَقَة قَليلَةً أو كان هذا الرَّجُلُ ذا مالٍ كثيرٍ لا يَتَضَرَّر به، ولَكِنَّه يَنْتَفِع به من النَّاحِيَة الإيمانِيَّةِ فلا بأس به.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ في التاريخ عِبَرًا يَعْتَبِرُ بها العاقِلُ؛ لِقَوْله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِعْمالُ قياسِ الْأَوْلَى؛ لِقَوْله تعالى: {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فإذا كان الله تعالى أَهْلَكَهُم مع كَوْنِهِم أَشَدَّ منهم قُوَّة، فإنَّ إهلاكَ هؤلاء من باب أولى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن قُوَّة البَشَرِ مهما عَظُمَتْ لا تمنع من الله شيئًا؛ لِقَوْله تعالى: {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ولذلك لما قالت عادٌ: مَنْ أَشَدُّ منا قُوَّةً، قيل لهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ في السَّيْرِ في الأَرْض قَلْبًا أو قَدَمًا عِبْرَةً لا للمُرْسَلِ إليهم، بل وللرُّسُلِ أيضًا؛ فإنَّ إِهْلاكَ المُكَذِّبينَ للرُّسُلِ انتصارٌ للرُّسُل، فمَعْلومٌ أنَّ الله إذا أَهْلَكَ عَدُوَّكَ فإنَّه انتصارٌ لك بلا شَكٍّ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، رقم (٤٣٣)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم (٢٩٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الصفحة 318