كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: نَفْيُ العَجْزِ عن الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لِقَوْله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} فإنَّ فيها نَفْيَ العَجْزِ عنه لِكَمالِ عِلْمِه وقُدْرَتِهِ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ من صفاتِ الله تعالى ما يكون سَلْبِيًّا - أي مَنْفِيًّا عن الله - والقاعِدَة العامَّة: أنَّ كلَّ صِفَةِ نَقْصٍ فهي مَنْفِيَّةٌ عن الله عَزَّ وَجَلَّ، كما أنَّ كلَّ صِفَةِ كَمالٍ فهي ثابتَةٌ له، ولكنَّ التَّفْصيلَ لا بُدَّ فيه من دليلٍ؛ لأنَّ هذه قاعِدَة عامَّة؛ لِقَوْله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠]، ولِقَوْله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: ١٨٠] لكِنَّ التَّفْصيلَ بأنَّ هذه الصِّفَة المُعَيَّنة ثابِتَةٌ لله أو مُنْتَفِيَةٌ عنه لا بُدَّ فيها من دليلٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا ينفي شيئًا عن نَفْسِه إلا لِثُبُوتِ كَمالِ ضِدِّه؛ لأنَّه لما قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} قال: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} فيُسْتَفادُ من ذلك: أنَّ كُلَّ صِفَةٍ مَنْفِيَّةٍ عن الله لا يرادُ منها مُجَرَّدُ النَّفْي؛ لأنَّ مُجَرَّدَ النَّفْيِ المَحْضِ ليس فيه فائِدَةٌ؛ إذ إنَّ النَّفْي المحض عدمٌ مَحْضٌ، والعَدَمُ ليس بشَيْءٍ، فضلًا عن أن يكون كَمَالًا؛ ولأنَّ النَّفْيَ قد يكون سَبَبُه العَجْز، كما في قَوْلِ الشَّاعِرِ:
قُبَيِّلةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ (¬١)
هذا ذَمٌّ؛ لأنَّهم لعَجْزِهِم لا يَسْتَطِيعون، فلا يَظْلِمونَ النَّاسَ ولا يَغْدِرونَ بالذِّمَم.
وقد يكون سَبَبُه عَدَمَ القابِلِيَّة لا لِلْكَمالِ، ولكن لأنَّه غَيْرُ قابِلٍ لهذه الصِّفَة، كما لو قلتَ: إنَّ جدارَ بَيْتِنا لا يَظْلِمُ، فهو صحيح أنَّه لا يَظْلِمُ أَحَدًا، لكن لا لأنَّه كامِلُ
---------------
(¬١) البيت ينسب للنجاشي الحارثي قيس بن عمرو، انظر: الحماسة الصغرى لأبي تمام (ص ٢١٥ - ٢١٦)، والشعر والشعراء لابن قتيبة (١/ ٣١٩)، وخزانة الأدب للبغدادي (١/ ٢٣٢).

الصفحة 319