كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وَقَوْله تعالى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} أي الأَرْضِ؛ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي الأَرْضِ] وأعاد الضَّميرَ على غَيْر مذكورٍ، قال بعضهم: إنَّه أعاده على مذكورٍ، وهو قَوْله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}، والكَلَام كُلُّه في سياق واحِدٍ، في سياق العاصينَ ومآلهِم وعُقُوبَتِهِم، فالكَلَامُ نَسَقٌ واحِدٌ فالأَرْض إذن: مذكورة.
وقال بعضهم: هي غَيْر مذكورة، لَكِنَّها معلومَةٌ من السِّيَاقِ لأنَّ الدَّوابَّ إنَّما هم على ظَهْرِ الأَرْضِ، فمَعْلومَةٌ من السِّيَاق، وما عُلِمَ من السِّيَاقِ فإنَّه لا يَحْتاجُ إلى مَرْجِعٍ مذكورٍ؛ ألم تَرَ إلى قَوْله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: ٣٢] فَقَوْله تعالى: {تَوَارَتْ} أي: الشَّمْسُ، مع أنَّه لم يَسْبِقْ لها ذِكر، لَكِنَّها معلومَةٌ فإنَّها هي التي تتوارى بالحِجابِ.
وَقَوْله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} نَسَمَة تَدِبُّ عليها] {مِنْ} حرف جَرٍّ (زائدٍ زائد)؛ لأنَّها جاءَتْ بعدَ النَّفْي: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} أي: ما ترك عليها دابَّةً لَكِنَّها دخلت عليها {مِنْ} لتُؤَكِّدَ العُمومَ؛ وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [نَسَمَةً تَدِبُّ عليها] النَّسَمَة هي كل ذاتٍ تَتَنفَّسُ، لأنَّها مَأْخوذة من النَّسَم وهو التَّنَفُّس وكل شَيْء فيه رُوحٌ فإنَّه يتَنَفَّس.
والمَعْنى: لَهَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ على الأَرْض؛ أمَّا البَشَرُ العاصون فهَلاكُهُم واضِحٌ، وأمَّا غَيْرُهُم فبِشُؤْمِ الأَوْساط تَمُوتُ هذه الدَّوابُّ، إمَّا بأن يَمْنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ المَطَرَ والنَّباتَ فتموتُ هذه الدَّوابُّ؛ لأنَّها لا تجد عَيْشًا أو أنَّها تموت بأوْبِئَةٍ تَجْتاحُها بسبب أعمالِ النَّاسِ.
وقال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يَوْم القِيامَةِ].

الصفحة 323