كتاب تفسير العثيمين: فاطر

{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} أي: النَّاسَ، والفاعِلُ هو الله، {إِلَى أَجَلٍ} أي: مُدَّةٍ {مُسَمًّى} مُعَيَّنٍ، وهو يومُ القِيامَة، كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في سورة هود: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود: ١٠٣ - ١٠٤] أي: أَجَلٍ مُسَمًّى مُعَيَّنٍ عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا يَعْلَمُ هذا الأَجَلَ إلا اللهُ؛ فإنَّ عِلْمَ السَّاعَةِ لا يكون إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وقد حجز عنه أَعْلَمَ البَشَرِ وأَعْلَم المَلائِكَة حين سأل جبريلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن السَّاعَةِ قال: "مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" (¬١).
والأَجَلُ المُسَمَّى لا بُدَّ أن يَجيءَ، فكُلُّ شَيْءٍ مُسَمَّى فهو قريبٌ، لكنَّ الأَجَلَ المُبْهَم هو الذي يَنْتَظِرُه الإِنْسَانُ إلى أن يَحْصُل، أمَّا المُسَمَّى فلا بُدَّ أن يُوصَلَ إليه.
وَقَوْله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} يعني: انْتَهَتِ المُدَّة وصار يومُ القِيامَة، سواء كانَتِ القِيامَةُ الكُبْرَى أو القِيامَة الصغرى، فالقِيامَةُ الكُبْرَى العامَّةُ لجميعِ النَّاسِ، والصُّغْرى مَوْتُ كُلِّ إِنْسَانٍ.
وَقَوْله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} فيجازيهم على أَعْمالهِم بإثابَةِ المُؤْمِنينَ وعِقابِ الكافرينَ].
جُمْلَة {فَإِنَّ اللَّهَ} جوابُ شَرْطِ قَوْله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ}.
فإذا قال قائِلٌ: ما وَجْهُ ارتباطِ الجوابِ بالشَّرْطِ في قَوْله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} يعني قد تَتَوَقَّعُ: فإذا جاء أجلهم عاقَبَهُم الله؟
فيقال: إنَّ قَوْله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} أَبْلَغُ من: (فإذا جاء
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 324