كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ ... وَبَعْضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي (¬١)
فَقَوْله: (تَفْرِي مَا خَلَقْتَ)؛ يعني: ما قدَّرْتَ، ولكنه يُطْلَقُ على الإيجادِ المَسْبوقِ بتَقْديرٍ، فهنا {خَالِقٍ} بمَعْنى مُوجِدٍ إيجادًا مَسْبوقًا بتَقْديرٍ، وَقَوْله تعالى {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}؟
الجواب: لا، لا خالِقَ غَيْرُ الله يَرْزُقُنا من السَّماء والأَرْضِ، وقد سبق لنا مِرارًا على نَفْيِ الخَلْقِ عمَّا سِوى الله، وقلنا: إنَّه قد جاءت نُصُوصٌ تَدُلُّ على أنَّ غَيْرَ الله يَخْلُق.
وأَجَبْنا على ذلك بأنَّ خَلْقَ غَيْر الله ليس إيجادًا، ولكنه تَحْويلٌ من صُورَةٍ إلى صورَةٍ، وأيضًا ليس عامًّا، وكذلك خَلْقُ غَيْرِ اللهِ هو مِنْ خَلْقِ اللهِ في الواقِعِ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] حتى لو أنَّنِي الذي خلَقْتُ هذا الشَّيْءَ يعني: أَوْجَدْتُه؛ بمَعْنى: غَيَّرْتُه من حالٍ إلى حالٍ، فإنَّ فِعْلي هذا مخلوقٌ لله عَزَّ وَجَلَّ، فعليه نقول: إنَّ الخالِقَ الحَقيقِيَّ هو الله.
وَقَوْله تعالى: {يَرْزُقُكُمْ} بمَعْنى يُعْطيكُم؛ لأنَّ الرِّزْق بمَعْنى العَطاءِ؛ كما في قَوْلِه تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: ٨].
قَوْله تعالى: {مِنَ السَّمَاءِ} فسَّرَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ الرِّزْقَ من السَّماءِ بالمَطَرِ، وهذا لا شكَّ أنَّه داخِلٌ فيه؛ فإنَّ المَطَرَ من الرِّزْق النَّازِل من السَّماءِ، وهل هناك رِزْقٌ غَيْرُه يَنْزِلُ من السَّماء؟
نعم، الوَحْيُ وهو رِزْقٌ مَعْنَوِيٌّ.
---------------
(¬١) البيت لزهير بن أبي سلمى، انظر: ديوانه (ص ٣٢).

الصفحة 33