كتاب تفسير العثيمين: فاطر

قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} من أَيْنَ تُصْرَفون عن تَوْحيدِهِ مع إقرارِكُم بأنَّه الخالِقُ الرَّازِقُ؟ ] لو قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: (عن عِبادَتِه) لكان أحسَنَ؛ لأنَّ (لا إله إلا هو) تَوْحيدُ أُلُوهِيَّة، وليس تَوْحيدَ رُبوبِيَّة، وكَلِمَةُ تَوْحيدٍ تَشْمَل الرُّبوبِيَّةَ أيضًا، فلو قال: (فأَنَّى تُصْرَفون عن عبادَتِه وَحْدَه مع إقرارِكُم أنَّه الخالِقُ وَحْدَه) لكان أَحْسَنَ.
وَقَوْله تعالى: {تُؤْفَكُونَ} قال: أي: [تُصْرَفون]، فـ (الأَفْكُ) بمَعْنى الصَّرْف، ماضيه (أَفَكَ) ومُضارِعُه: (يَأْفِكُ أَفْكًا) أمَّا الإِفْكُ بالكَسْرِ فهو الكَذِبُ.
والكَذِبُ - في الواقِع - يَتَّفِقُ مع (الأَفْكِ) من حيث المَعْنى؛ لأنَّ الكَذِب هو الإخبارُ بِخلافِ الوَاقِعِ، فهو صَرْفٌ للشَّيْء عن حَقيقَتِه، قال الله تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: ٩]؛ أي: يُصْرَفُ عَنْهُ من صُرِفَ.
إِذَن: {تُؤْفَكُونَ} أي: تُصْرَفونَ عن عِبادَتِه وَحْدَه مع إقرارِكُم بأنَّه الخالِقُ وَحْدَه.
والإسْتِفْهامُ في قَوْله تعالى: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} الإسْتِفْهامُ للتَّوْبيخِ والتَّقْريعِ، يعني: كيفَ تُقِرُّونَ بأنَّه الخالِقُ وَحْدَه ثم تَعْبدونَ معه غَيْرَهُ.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: وُجُوب ذِكْرِ نِعْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ بالقَلْبِ واللِّسانِ والجوارِحِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَهَمِّيَّة ذِكْر النِّعْمَة؛ لأنَّها صُدِّرَت بـ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وهذا يدُلُّ على الأَهَمِّيَّة؛ لأنَّ ما صُدِّرَ بالنِّداءِ معناه تَنْبيهُ المُخاطَبِ على الإسْتِماعِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الكُفَّارَ مخُاطَبونَ بالشَّرائِعِ، وهذا مَأْخوذٌ من قَوْلِه تعالى:

الصفحة 36