كتاب تفسير العثيمين: فاطر

يدعو حِزْبَه إلا لهذا الأَمْرِ؛ لأنْ يكونوا من أصْحابِ السَّعِير، واللَّامُ في قَوْله تعالى: {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} اللَّامُ هذه لِلعاقِبَة؛ يعني: يدعو حِزْبَه للشَّرِّ والفَحْشاءِ لِأَجْلِ أن يكونوا من أصحابِ السَّعيرِ.
وَقَوْل المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{حِزْبَهُ} أتباعَهُ في الكُفْرِ] قد يقال: إنَّ فيه قُصُورًا؛ لأنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ الحِزْبُ المُطْلَقُ لا شَكَّ أنَّهُم الكُفَّارُ، لكِنْ من عصى الله عَزَّ وَجَلَّ ولو لم يكن كافِرًا في مَعْصِيَةٍ من المعاصي فله من حِزْبِيَّةِ الشَّيْطانِ بِقَدْرِ ما عصى الله، لكنَّ الحِزْبَ المُطْلَقَ هم الكُفَّارُ.
قَوْله تعالى: {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} يعني: من أصحابِ النَّارِ، والسَّعيرُ هو النَّار الشَّديدَةُ، وإنَّما يدعوهم لذلك؛ لأنَّه لما غَوى - والعياذ بالله - وتكَبَّرَ عن عِبَادَة الله قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: ١٦]، وقال: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٣٩].
لما خُذِل - والعياذ بالله - وطُرِدَ وصار غاويًا حَرَصَ على أن يكون له أَتْباعٌ في غَيِّهِ، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ؛ فأَهْلُ الحَقِّ يَوَدُّون أن يكون لهم أتباعٌ في الحَقِّ، وأهْلُ الباطِل يودون أن يكون لهم أتباعٌ في الباطِل، فالشَّيْطان - والعياذ بالله - لمَّا كان من أصحابِ النَّار أحَبَّ أن يكون النَّاسُ - أي: بنو آدَمَ - أن يكونَ النَّاسُ كُلُّهم من أصحابِ النَّار، هؤلاء الذُّرِّيَّة ذُرِّيَّة آدَمَ، وشقاء إبليسَ إنَّما كان لتَرْكِه السُّجُود لآدَمَ، فلا جَرَمَ أن يُغْوِيَ ذُرِّيَّتَه وأن يحارِبَ بِكُلِّ ما يَسْتَطِيع إغواءَهم حتى يكونوا من أصحابِ النَّار.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ الشَّيْطانِ؛ لِقَوْله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}.

الصفحة 53