كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الآية (٧)
* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [فاطر: ٧].
* * *

{الَّذِينَ كَفَرُوا} مُبْتَدَأٌ، خَبَرُه جُمْلَةُ {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} والعذابُ: العُقوبَةُ، وأتى بالجُمْلَة الإسْمِيَّةِ لِثُبوتِ هذا العَذابِ واسْتِمْرارِه؛ لأنَّ الكافِرينَ مُخَلَّدونَ في نار جَهَنَّم، و (الشَّديدُ) بمَعْنى القَوِيِّ، وأمَّا غَيْرُهم فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} الذين آمنوا؛ الإيمانُ مَحلُّه القَلْبُ؛ أي: صدَّقوا بما يَجِبُ الإيمانُ به مع القَبولِ والإِذْعانِ، فالإيمانُ ليس مُجَرَّد التَّصْديقِ، بل هو تصديقٌ مَقْرُونٌ بِقَبولٍ وإذعانٍ؛ قبولٍ لمِا آمَنَ به، وإذعانٍ يَقْتَضيه هذا الإيمانُ، أمَّا مُجَرَّدُ التَّصْديقِ فليس إيمانًا، ولو شِئْتُم لَضَرَبْنا مثلًا بأبي طالِبٍ؛ فإنَّ أبا طالِبٍ كان مُصَدِّقًا للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكِنَّه لم يَقْبَل، ولم يُذْعِنْ، فلم يَنْفَعْه هذا التَّصْديقُ.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي: صدَّقوا بما يَجِبُ الإيمانُ به تصديقًا مُسْتَلْزِمًا للقَبُولِ والإِذْعانِ، وأمَّا قَوْله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فلا بُدَّ من العَمَلِ الصَّالِح حتى يَتِمَّ الإيمانُ ويَتحَقَّق ويَتَبَيَّن.
قال العُلَماءُ رَحِمَهُم اللهُ: العَمَلُ الصَّالِحُ هو الذي كان خالِصًا صوابًا؛ أي: خالصًا لله، صوابًا في مُوافَقَةِ شَريعَةِ اللهِ، وهذا التَّعْريفُ يَعُمُّ هذه الأُمَّةَ وغَيْرَها، فما كان

الصفحة 56