كتاب تفسير العثيمين: فاطر

خالِصًا لله مُوافِقًا لِشَريعَتِهِ فهو صالِحٌ، وما لم يكن كذلك فهو فاسِدٌ، فلو فُقِدَ الإخلاصُ من العَمَلِ لم يكن صالِحًا، ولو وُجِدَ الإخلاصُ لكن لم يكن على وَفْقِ الشَّريعَة لم يكن صالِحًا، وعلى هذا فالأَعْمالُ البِدْعِيَّةُ - وإن أَخْلَصَ فيها صاحِبُها - ليست بصالِحَةٍ، والأَعْمالُ الشَّرْعِيَّة إذا شارَكَها الرِّياءُ وإِرادَةُ الخَلْقِ لم تكن صالحِةً.
وَقَوْله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هذه تتكَرَّرُ في القُرْآنِ كثيرًا، وهي على ما قال النَّحْويُّونَ: من بابِ حَذْفِ المَنْعوتِ ووجودِ النَّعْتِ للدَّلالَةِ عليه؛ لأنَّ أَصْلَها: وعَمِلوا الأَعْمالَ الصَّالحِاتِ.
قَوْله تعالى: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} الذين آمنوا وعَمِلوا الصَّالحِاتِ ذَكَرَ لهم عَمَلًا وذكر لهم جَزاءَيْنِ، أمَّا الذين كفروا فذَكَرَ عملًا واحدًا وجزاءً واحدًا، فالذين كفروا لهم عَذابٌ شديدٌ، العَمَلُ: الكُفْرُ، والجزاءُ: العذاب الشَّديد، أمَّا الذين آمنوا وعَمِلوا الصَّالحِاتِ فهذان عَمَلانِ والجزاءُ: لهم مَغْفِرَةٌ وأجرٌ كبيرٌ، فمَغْفِرَةٌ لِذُنوبِهِم، وأَجْرٌ كَبيرٌ على أعمالهِمُ الصَّالحِاتِ.
والمَغْفِرَةُ هي سِتْرُ الذَّنْبِ والتَّجاوُزُ عنه؛ لأنَّها مَأْخوذَةٌ من المِغْفَرِ، وهو ما يُسْتَرُ به الرَّأْسُ للوِقايَةِ من السِّهامِ، وهذا لا يكون إلا إذا كان قَوِيًّا يمنع، وليست المَغْفِرَة مُجَرَّدَ السِّتْر؛ لأنَّ مُجَرَّدَ السِّتْر والعُقوبة ليس بِمَغْفِرَة، بل لا بُدَّ من أَمْرَيْنِ: السِّتْرِ، وعَدَمِ المُؤاخَذَة.
وَقَوْله تعالى: {وَأَجْرٌ} الأَجْرُ: الثَّوابُ الذي يُجَازَى به العامِلُ، حتى الأُجْرَة مثلًا إذا اسْتَأْجَرْتَ رجلًا يَعْمَل لك عملًا وأَعْطَيْتَهُ أُجْرَةً، فهذا أَجْرٌ، وسَمَّى الله عَزَّ وَجَلَّ الثَّوابَ أَجْرًا؛ لأنَّه لا بُدَّ أن ينالَهُ العامِلُ، فهو كأُجْرَةِ الأَجير، فلا بُدَّ أن ينالَهَا العامِلُ، وهذا كقَوْلِهِ تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: ٢٤٥] فسمَّى

الصفحة 57