كتاب تفسير العثيمين: فاطر

عدمُ التَّقْديرِ، ولأنَّه في بعضِ الأحيانِ يَصْعُبُ على الإِنْسَانِ أن يقدِّر المَحْذوفَ، وعلى هذا القَوْلِ يقولون: إنَّ حَرْفَ العَطْفِ (الفاء) يُقَدَّرُ سابقًا للهَمْزَة، فيكون فيه تقديمٌ وتَأْخيرٌ، والتَّقْديرُ على هذا: (فَأَمَنْ زُيِّنَ له سُوءُ عَمَلِه).
وَقَوْله تعالى: {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} مَن المُزَيِّنُ؟
ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ أنَّ المُزَيِّنَ الشَّيْطانُ، وذكر أنَّ المُزَيِّنَ هو الله {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: ٤]، وقال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل: ٢٤]، وفي بعض الآيات يكون المُزَيِّنُ مُبْهَمًا كما في هذه الآيَة، وكما في قَوْله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: ١٤].
فالمُزَيِّنُ الله، والمُزَيِّن الشَّيْطان، فإذا قلْتَ: كيف تَجْمَعُ بين هذا وهذا؟
فالجواب: أنَّ المُزَيِّنَ المُباشِرَ هو الشَّيْطان، أمَّا الله عَزَّ وَجَلَّ فهو مُزَيِّنٌ بالتَّقْديرِ؛ يعني: هو الذي قدَّر على الشَّيْطان أن يُزَيِّنَ لهم، ومعلومٌ أنَّ الله تعالى خالِقُ الشَّيْطانِ، وما نتج من أعماله فهو مضافٌ إلى الله؛ كما نقول في الإِنْسَانِ: إنَّه مَخْلوقٌ لله، وما نتج من أعماله فهو مَخْلوقٌ لله عَزَّ وَجَلَّ، فيكون تَزْيينُ الله تعالى حَسَب التَّقْديرِ؛ يعني: هو الذي قدَّر أن يُزَيِّنَ الشَّيْطانُ لهم أَعْمالَهُم.
قَوْله تعالى: {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ}: (عمل) مفردٌ مضافٌ، فيَشْمَلُ كُلَّ الأعمال، سواء كانت شِرْكًا أو عُدْوانًا على الغَيْر، أو سوءَ السُّلوكِ وفَسادَ الأخلاقِ، أو غَيْر ذلك.

الصفحة 63