كتاب تفسير العثيمين: فاطر

المُهِمُّ: أنَّه شامِلٌ لكُلِّ الأَعْمالِ.
وَقَوْله رَحِمَهُ اللهُ: [بالتَّمْوِيهِ]؛ أي: أنَّه يُمَوِّهُ على النَّاس أنَّ هذا العَمَلَ الذي يقوم به عملٌ حَسَنٌ.
قَوْله تعالى: {فَرَآهُ حَسَنًا} أي: رأى سُوءَ عمَلِه حَسَنًا، وهذا أشَدُّ ما يكون؛ أن يكون الإِنْسَانُ على خَطَأٍ ويرى أنَّه على صوابٍ؛ لأنَّ مِثْلَ هذا لا يكاد يظهر عن غَيِّهِ؛ حيث إنَّه يَعْتَبِرُه صوابًا، ومن ذلك مَثَلًا أصحابُ الحِيَل (المخادعون)، فالمُنافِقُ مثلًا زُيِّنَ له سُوءُ عَمَلِه؛ لأنَّه يرى أنَّه ذَكِيٌّ {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٤] وهذا من سوء العَمَلِ.
وكذلك المُتَحَيِّلون على الرِّبا بأَنْواعِ الحِيَلِ هؤلاء أيضًا زُيِّنَ لهم سُوءُ أعمالهم؛ ولهذا لا تكاد تَجِدُهم مُقْلِعينَ عمَّا هم عليه؛ لأنَّه قد زُيِّنَ ذلك في نُفُوسِهم فلا يُقْلِعونَ عنه؛ المُهِمُّ أنَّ هذا له أمْثِلَة كثيرةٌ.
بقي علينا أن نقول: (من) مُبْتَدَأ فأين خَبَرُه؟ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مَنْ: مُبْتَدَأ، خَبَره: كمن هداه اللهُ، لا؛ دَلَّ عليه {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}].
قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} يعني: (كَمَنْ لم يُزَيَّنْ له سُوءُ عَمَلِه ورأى سوءَ عَمَلِه سَيِّئًا)؛ لأنَّ الذي زُيِّن له سوءُ عَمَلِه سيسْتَمِرُّ عليه، والذي رآه سيئًا سوف يَتَجَنَّبُه، وهذا ما يقَوْلُه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [كمن هداه الله]، ومِثْلُ هذا التَّعْبيرِ يأتي في القُرْآن كثيرًا؛ كما في قَوْلِه تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] فالخَبَرُ مَحْذوفٌ؛ أي: كمن ليس كذلك.

الصفحة 64