كتاب تفسير العثيمين: فاطر

فَقَوْله: [لا]؛ يعني: ليس هذا كهذا، قال: بينهما فَرْقٌ؛ فإنَّ من زُيِّنَ له سوء عَمَلِه فسوف يبقى على ضَلالِهِ، ومن لم يُزَيَّنْ له سُوء عَمَلِه ورآه سيئًا فَسَيَتَجَنَّبُه ولا يقع فيه.
وَقَوْله: [دلَّ عليه: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}]، وعلى هذا، فالفاء هنا ليست واقِعَة في خَبَرِ المُبْتَدَأ، بل خَبَرُ المُبْتَدَأ مَحْذُوفٌ، لكنها عَطْفٌ على ذلك الخَبَر؛ أي: فإنَّ الله يُضِلُّ من يشاء عن الحَقِّ فلا يهتدي إليه، ويهدي من يشاء إلى الحَقِّ فَيَلْتَزِمُه، وهنا يقول: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} تقدَّمَ كثيرًا تعليقُ الأشياءِ بالمَشيئَة، ولكنَّنا قلنا ونقول: إنَّ هذه المَشِيئَةَ مَقْرُونَةٌ بالحِكْمَةِ؛ من اقْتَضَتْ حِكْمَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ أن يُضِلَّه أَضَلَّه، ومن اقتَضَتْ حِكْمَتُه أن يَهْدِيَه هداه، من الذي تَقْتَضي حِكْمَة الله عَزَّ وَجَلَّ أن يُضِلَّه؟
هو الذي أراد الضَّلال؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥].
فإذن: إضْلالُ الله تعالى للعَبْدِ في مَحَلِّه، وذلك بأن يكون هذا الرَّجُل لا يريد الخَيْر، وإنَّما يريد الشَّرَّ.
واعلم أنَّ الهِدايَةَ والضَّلالَ إمَّا عَدْلٌ وإمَّا فَضْلٌ، فالضَّلالُ عَدْلٌ؛ لأنَّه جُوزِيَ بحَسَب ما أراد، لمَّا أراد الضَّلالَ - والعياذ بالله - وزاغ قَلْبُه أُزيغَ، وأمَّا الهِدايَة فإنَّها فَضْل من الله عَزَّ وَجَلَّ يَتَفَضَّلُ بها على من يشاء من عباده.
ولهذا لو قال قائِلٌ: كيف يَجْعَلُ الله تعالى هذا مُهْتَدِيًا وهذا ضالًّا، أليس هذا ظُلْمًا؟
والجواب: لا؛ لأنَّ مَنْعَ الهِدايَة من هذا الضَّالِّ إنَّما هو لمُقْتَضَى عَدْلِه، أمَّا هِدايَة المهتدي فبِفَضْله.

الصفحة 65