كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لا يَحْزَنُ لِعَدَمِ إيمانهم أو طاعَتَهِم لمصلحته هو ولَكِنْ لمِصْلَحَتِهم؛ لِقَوْله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يتأثَّر بما يتأثَّرُ به البشر من أَسْبَاب الفَرَحِ وأَسْبَاب الحُزْن، وهذا أمرٌ واقِعٌ، وقد قالت عائِشَةُ - رضي الله عنها -: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا المُدْلجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ" (¬١).
ففَرِحَ - صلى الله عليه وسلم - حتى ظهر ذلك على وَجْهِه؛ فالأَعْراضُ البَشَرِيَّة من الفَرَح والحُزْن، والغَمِّ والإسْتِبْشارِ، والنِّسيان وعَدَمِ العِلْم، وغير ذلك تطرأ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كغيره من البَشَر؛ لأنَّه لا يتمَيَّز عن البَشَرِ إلا بشَيْء واحد وهو الوَحْيُ، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠] وكَلِمَة {بَشَرٌ} تُغْنِي عن {مِثْلُكُمْ} لكن هذا من باب التَّأْكيدِ؛ لئلَّا يَذْهَبَ ذاهِبٌ إلى أنَّه بَشَرٌ قد خُصِّصَ بشَيْءٍ، فقال: {بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ثم ذكَرَ المَيْزَة فقال: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وفي هذا ردٌّ واضِحٌ على أولئك القَوْمِ الذين يدَّعُون أنَّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - تأْثيرًا في الخَلْقِ كتأثير رُبوبِيَّةِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّه لو كان كذلك ما ذَهَبَتْ نَفْسُه عليهم حَسَراتٍ، ولهداهم وسَلِمَ من هذه الحَسَراتِ التي تكون على نَفْسِه.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إثبات عِلْمِ الله عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ ما نَعْمَلُ؛ لِقَوْله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (٣٥٥٥)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، رقم (١٤٥٩).

الصفحة 69