كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الآية (٩)
* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: ٩].
* * *

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} وفي قِراءَةٍ: (الريحَ)] الله - وَحْدَه - هو الذي يُرْسِلُ هذه الرِّياحَ دون غَيْره، فلن يَسْتَطيعَ أحدٌ أن يُرْسِلَ شَيْئًا من هذه الرِّياحِ، حتى الخَلْقُ كُلُّهم لو اجتمعوا على أن يُرْسِلوا الرِّيحَ ما استطاعوا، لو اجْتَمَعوا على أن يُهَوِّنوا عَصْفَها ما استطاعوا، ولكن ذلك بِيَدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، فاللهُ وَحْدَه الذي يُرْسِلُ الرِّياحَ.
وتأمَّلْ قَوْله تعالى: {أَرْسَلَ} حيث جعلها رسولًا كأنَّها تُبَلِّغ أو كأنَّها تَفْعَلُ ما أُمِرَتْ به كما أنَّ الرَّسُولَ يُبَلِّغُ ما أُرْسِلَ به فهي مُرْسَلَةٌ؛ ولهذا ثبت عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّهْيُ عن سَبِّ الرِّيحِ (¬١)؛ لأنَّ سَبَّ الرِّيحِ يعود حَقيقَةً إلى الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّه هو الذي أَرْسَلَها، فهي مُدَبَّرَة مُسَخَّرَةٌ.
وَقَوْله: [{الرِّيَاحَ} وفي قِراءَةٍ: (الريح)] والقِراءَة هنا سَبْعِيَّة، والفَرْقُ بينهما أن (الرياح) جَمْع، و (الرِّيح) مُفْرَد، لكنَّ هذا المُفْرَد في مَعْنى الجمع؛ لأنَّه محلًّى بـ (أل)
---------------
(¬١) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١٢٣)، والترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في النهي عن سب الرياح، رقم (٢٢٥٢)، من حديث أبي كعب - رضي الله عنه -.

الصفحة 71