كتاب تفسير العثيمين: فاطر

ولكنه قد يَقْتَرِنْ به ما يُعَيِّنُه للحال، ويقترن به ما يُعَيِّنه للإستقبال، ويقترن به ما يُعَيِّنُه للماضي، إنَّما الأصل فيه أنَّه للحاضِرِ والمُسْتَقْبَل، ولا يكون للماضي إلا بِقَرينَةٍ، فعليه نقول: عُدِلَ عن التَّعْبيرِ بالماضي هنا لحكايَةِ الحالِ الماضِيَة حتى كأنَّك تُشَاهِدُها الآن وهي تُثيرُ هذا السَّحابَ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ في مَعْنى {فَتُثِيرُ} قال: أي [تُزْعِجُه]، وهذا مَعْنى قد يُناقَشُ فيه؛ لأنَّ الإِزْعاجَ أَخَصُّ من الإثارة؛ لأنَّ الإثارَةَ بمَعْنى إنْهارِ الشَّيْءِ كما يقال: (أَثَرْتُ البَعيرَ)؛ أي: أنْهَضْتُه حتى صار قائِمًا بعد أن كان بارِكًا.
وَقَوْله تعالى: {فَتُثِيرُ سَحَابًا} كأنَّ هذا السَّحابَ في الأصل في الأَرْضِ، ثم أَثارَتْه هذه الرِّياحُ، ومعلومٌ أنَّ السَّحاب يكون من بُخارِ البَحْرِ، ويكون أحيانًا من الجَوِّ المُتَلَبِّد بالرطوبة حسبما تَقْتَضيه حِكْمَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وهذا أمرٌ يَرْجِعُ إلى مَعْرِفَة العلوم الطبيعيَّة.
قَوْله تعالى: {سَحَابًا} السَّحابُ هو هذا الغَيْم المعروفُ في الجَوِّ كما تشاهدونه؛ فلذلك سُمِّيَ سحابًا لانْسِحابِهِ في الجَوِّ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَسُقْنَاهُ} فيه الْتِفاتٌ عن الغَيْبَة]؛ أي: إلى التَّكَلُّم، وفيه أيضًا التفاتٌ من المضارِعِ إلى الماضِي؛ ولذا قال: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} عدل عن المضارِعِ إلى الماضي لاختلاف الفاعِلِ في الفِعْلَينِ؛ لأنَّ (تثير) الفاعِلُ فيها (الرِّياحُ)، و (سُقْناه) الفاعِلُ فيها (الله).
إذن: يَحْسُنُ أن تكون بِلَفْظِ الماضي عَطْفًا على قَوْله تعالى: {أَرْسَلَ} لأنَّ المُرْسِلَ هو الله، فلما اتَّحَدَ الفاعِلُ في الفِعْلَيْن (أرسل، وسُقْنا) كان الأَفْصَحُ أن يكونا جميعًا

الصفحة 73