كتاب تفسير العثيمين: فاطر

استحضارًا له في الذِّهْنِ؛ لِقَوْله تعالى: {فَتُثِيرُ سَحَابًا} فإنَّ تَصْويرَ الماضي بِصيغَة الحاضِرِ لا شَكَّ أنَّه يَحُثُّ الإِنْسَانَ إلى تَصَوُّرِه أكثَرَ من الشَّيْء الماضي.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ هذا السَّحابَ يَجْري بأَمْرِ الله؛ لِقَوْله تعالى: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ}.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ هذا السَّحابَ له شعورٌ؛ يعني: معناه يَعْدُو ويَجْري، وهذا يُمْكِنُ أن يُؤْخَذُ من قَوْله تعالى: {فَسُقْنَاهُ} أي: كما يُساقُ البَعيرُ، وعلى هذا جاء الحديثُ الصَّحيحُ في قِصَّةِ الرَّجُلِ الذي سَمِعَ صوتًا في سحابَةٍ: "اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ" (¬١)، فإنَّ تَوْجيهَ الأَمْرِ إليه يدُلُّ على أنَّه ذو شُعورٍ، ولا شَكَّ أنَّ جَميعَ الكائناتِ بالنِّسْبَةِ لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ أنَّها ذاتُ شعور، قال الله تعالى في الأَرْض والسَّماء: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١].
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بيان قُدْرَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بإحياءِ الأَرْض بعد مَوْتِها؛ لِقَوْله تعالى: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: صِحَّةُ وَصْفِ الأَرْض بالحياةِ والمَوْتِ مع أنَّها لَيْسَت من الحيواناتِ؛ لِقَوْله تعالى: {بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ}.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الرَّدُّ على أَهْل الكَلَام الذين يقولون: إنَّه لا يُوصَفُ بالحياةِ والمَوْت شَيْءٌ من الجَماداتِ؛ لأنَّه هنا أَثْبَتَ الحياةَ والمَوْتَ للأَرْض وهي من الجماداتِ، وقال تعالى في الأَصْنَام: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: ٢١].
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين، رقم (٢٩٨٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 77