كتاب تفسير العثيمين: فاطر

خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ... " (¬١).
وَقَوْله تعالى: {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} إنَّما جَمَعَهُ لِكَثْرَةِ أَنْواعِهِ، وكَثْرَةُ الأَنْواعِ تَدُلُّ على كَثْرَةِ الأَفْرادِ من بابِ أَوْلى، فالأَنْواعُ كثيرةٌ والأَفْرادُ في كلِّ نَوْعٍ كذلك كثيرَةٌ؛ فلهذا جَمَعَهُ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} يَقْبَلُه] أفادنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْله: [يَقْبَلُه] أنَّ الفاعِلَ في {يَرْفَعُهُ} يعودُ إلى الله، وأنَّ الهاءَ في {يَرْفَعُهُ} تعود إلى العَمَل الصَّالِحِ؛ يعني: والعَمَلُ الصَّالِحُ يَقْبَلُه الله، فكَوْنُ ضَميرِ الفاعِلِ يعود على (الله) وضَميرِ المَفْعولِ يَعودُ على (العَمَل) هذا لا نُناقِشُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ فيه؛ لأنَّه مُحْتَمَلٌ، لكنَّنا نُناقِشُه في تَفْسيره الرَّفْعَ بالقَبُولِ، وكلُّ هذا فِرارًا من إثباتِ العُلُوِّ الذَّاتِيِّ، غفر الله له، بل نقول: مَعْنى {يَرْفَعُهُ} أي: يَرْفَعُ هذا العَمَل، من الرَّفْعِ الذي هو ضِدُّ النُّزُولِ، يَرْفَعُه إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنَّه فوق، وهذا التَّفْسيرُ في مَرْجِعِ الضَّمائِرِ الذي ذكره المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ هو أَحَدُ التَّفاسِيرِ المَذْكورَةِ في هذه الآيَة.
التَّفْسير الثاني: (والعَمَلُ الصَّالِحُ يرفَعُهُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ) فجَعَلَ ضَميرَ الفاعِلِ يعودُ على {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وجعل الهاءَ تعود على {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} فيكون العَمَل الصَّالِحُ مَرْفُوعًا بالكَلِمِ الطَّيِّبِ، واحْتَجَّ هؤلاء بأنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ لا يُقْبَلُ إلا بالإِسْلام، وهو الكَلِمُ الطَّيِّبُ الذي هو (لا إله إلا الله)، فإنَّ الإِنْسَانَ لو عَمِلَ من العَمَلِ الصَّالِحِ الشَّيْءَ الكَثيرَ لكنه غَيْرُ مُسْلِمٍ لا يَرْتَفِعُ هذا العَمَل، فلا يَرْفَعُ العَمَلَ الصَّالِحَ إلا الكَلِمُ الطَّيِّبُ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٤٨)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٥٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الصفحة 86