كتاب تفسير العثيمين: فاطر

والقَوْل الثالثُ: بالعَكْس، يقول: (والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ الطَّيِّبَ) فيكونُ الفاعِلُ في {يَرْفَعُهُ} العَمَلُ الصَّالِحِ، والمفعولُ {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} عكس الذي قبله، ما وَجْهُ ذلك؟
يقول: العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ الطَّيِّبَ؛ لأنَّ الكَلِمَ الطَّيِّب بدون عمل لا ينفع صاحبه فلا بُدَّ في الكَلِم الطَّيِّبِ من عملٍ صَالِح يرفع ذلك القَوْلَ الطَّيِّبَ.
والأَقْرَبُ - والله أعلم - أنَّ ما ذهب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ هو الصَّوابُ؛ أي: إِنَّ الله يَرْفَعُ العَمَلَ الصَّالِحَ؛ كما أنَّ الكَلِمَ الطَّيِّب يَصْعَدُ إلى الله، فإذا صَعِدَ الكَلِمُ الطَّيِّب إلى الله امْتَنَّ الله على هذا المُتَكَلِّم بأنْ رَفَعَ العَمَلَ الصَّالِحَ الذي يَعْمَلُه، إلا أنَّنا لا نُوافِقُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ في تَفْسيرِ الرَّفْعِ بالقَبولِ، نُوافِقُه على مَرْجعِ الضَّمائِرِ، لكنْ لا نُوافِقُه على تَفْسيرِ الرَّفْعِ بالقَبُولِ.
وحينئذٍ نقول: والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه الله عَزَّ وَجَلَّ، فيكونُ الله عَزَّ وَجَلَّ - في هذه الآيَة - ذَكَرَ القَوْلَ والعَمَل، فذَكَرَ أنَّ القَوْل يَصْعَدُ وأنَّ العَمَل يُرْفَعُ؛ لأنَّ رَفْعَ العَمَلِ كالجَزاءِ على الكَلِمِ الطَّيِّبِ، فإذا تكَلَّمَ الإِنْسَانُ بالكَلِمَةِ الطَّيِّبةِ فصَعِدَت إلى الله عَزَّ وَجَلَّ قَبِلها، ثم رَفَعَ العَمَلَ الصَّالِحَ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ} المَكَراتِ {السَّيِّئَاتِ} بالنَّبِيِّ في دار النَّدْوَةِ من تَقْييدِهِ أو قَتْلِهِ أو إِخْراجِهِ كما ذُكِرَ في الأنفال {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} يَهْلِك].
الواو للإسْتِئْنافِ، و {وَالَّذِينَ} مُبْتَدَأٌ، وجُمْلَة {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} خبر المُبْتَدَأ.
وَقَوْله تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} فيه نوعٌ من الإِشكالِ؛ لأنَّ السِّيِّئاتِ لا تُمْكَرُ، وإنَّما يُمْكَرُ بها؛ يعني: يُمْكَرُ بِسَبَبِ السَّيِّئات، فلماذا تعدى الفِعْلُ إليها؟

الصفحة 87