كتاب تفسير العثيمين: فاطر

عَشْرَ سنين، ونَقَصَ من عُمُرِه؛ يعني: من آخِرِ عُمُرِه عشر سنين؛ بلغ إحدى عَشْرَةَ، ونَقَصَ من عمره إحدى عَشْرَة، فبقِيَ تِسْعٌ وهكذا، وإلى هذا ذهب بعضُ التَّابعينَ رَحِمَهُم اللهُ.
ولكِنَّ آخرينَ من أَهْل العِلْم من المُفَسِّرينَ رَحِمَهُم اللهُ قالوا: إن هذا حينَ أَخْبَرَ به النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بقَوْله: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (¬١) وبيَّنَ أنًّ الإِنْسَان يُنْقَصُ عُمُرُه ويُزادُ بحَسَب صِلَة الرَّحِم؛ مثلما يُنْقَص من عُمُره إذا لم يَصِلْ رَحِمَه، ويُزادُ في عُمُره إذا وَصَله.
والمَعْنى على هذا التَّفْسيرِ: أنَّ زيادَةَ العُمُر أو نَقْصَه مكتوبٌ عند الله عَزَّ وَجَلَّ، فمن قُدِّر له أن عُمُرَه يطولُ بِصِلَة الرَّحِم فسوف يُقَدَّر له أن يَصِلَ رَحِمَه، ومن قُدِّرَ له أن يُنْقَصَ عُمُره بقطيعة الرَّحِم فسوف يكون قاطعًا لِرَحِمِه؛ لأنَّ المُسَبَّباتِ مَرْبوطةٌ بأسْبابِها، معلومةٌ عند الله.
وهذا يُزيلُ عنا الإشكالَ الذي أُشْكِل، أورده بعضُ العُلَماءِ رَحِمَهُم اللهُ في هذا الحديث، وحاولوا أن يُفَسِّروا زيادَةَ العُمُرِ بالبَرَكَةِ في عُمُرِ الإِنْسَان، بأنَّ الله إذا أنزل بَرَكةً في العُمُر وإن كان قَصيرًا صار خَيْرًا من عُمُرٍ طويلٍ بلا بَرَكَةٍ، ولكن تقدَّم لنا أنَّ هذا لا يُخْرِجُهم من الإشكال؛ لأنَّ البَرَكَة أيضًا مكتوبةٌ، وكذلك مَحْقُها مكتوبٌ، فلا يُخْرِجُهم ذلك من الإشكال، لا يَخْرُجون من الإشكالِ إلا أن نقول: إنَّ عُمُرَ الإِنْسَان المُطَوَّل بسبب صِلَةِ الرَّحِم قد كُتب، وقد كُتِب أن يَصِلَ رَحِمَه، إِذَن ما الفائِدَة من قَوْل الرَّسُولِ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ... ؟ ".
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم (٢٠٦٧)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم، رقم (٢٥٥٧)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

الصفحة 99