كتاب تفسير العثيمين: الشعراء

فالمعانِدُ المُكابِر يَصْعُب عليه أنْ يَرجِع إلى الحقّ، والمَعْنى أنه لو نزّل اللهُ هذا القُرآنَ على بعض الأَعْجَمِينَ إنْ كَان بِلُغَتِهِم؛ فإِنَّهم لن يُؤْمِنوا به؛ لأنَّهم لم يَفْهَمُوه، وهو بلغةِ العَجَمِ، وإنْ كَان باللُّغة العربيَّة ما آمنوا أيضًا؛ أنفةً من أنْ يَتَّبِعُوا رجلًا أعجميًّا.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{كَذَلِكَ} أي: مثل إدخالنا التَّكذيبَ به بقِراءَةِ الأعجميّ، {سَلَكْنَاهُ} أَدْخَلْنا التَّكذيبَ به {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} كُفَّار مكَّة لقِراءَة النَّبيّ {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ}]. {كَذَلِكَ} أي: مثل ذلك الإسلاك أو السَّلْك، والمُراد بالسلك: الإدخال، و (كذلك) مفعول مُطْلَق لـ {سَلَكْنَاهُ} يَعْنِي: مثل ذلك، وهي تأتي دائمًا في القُرآن: {كَذَلِكَ فَعَلَ}، {كَذَلِكَ كَذَّبَ} وما أَشْبَهَهُما.
فيقولون: إنَّ الكافَ اسمٌ بمَعْنى (مثل)، وهي مضافةٌ إلى اسمِ الإشارةِ العائدِ على المصدرِ المفهومِ مِنَ الفعلِ.
وعليه فيكون إعراب الكاف: اسم بمَعْنى (مثل)، مفعولًا مُطْلَقًا، عاملها الفعلُ الَّذي بعدها. يَعْنِي: إن الله جَلَّ وَعَلَا أدخلَ التَّكذيبَ في قلوبِ المجرمينَ، والمُرادُ بالمجرمينَ ما هو أعمُّ من كفارِ مكَّة، خِلافًا لمِا قالَ المُفَسِّر، فالمجرمُ كافرٌ، سواء كَان من أهلِ مكَّة أو من غيرها.
ولمَّا دخلَ التَّكذيبُ في قُلُوبهم والإستكبارُ: {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} إلى آخره.
وليس في هذه الآيةِ حُجَّة لأهل الكُفْر والمَعْصِيَة، الَّذينَ قالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١٤٨]؛ لأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بيّن في آيةٍ أُخْرَى أنّ سببَ كُفرهم وشِرْكِهم هو أنّهم كَانوا لا يريدون الحقّ، فلمَّا زَاغُوا أزاغَ اللهُ قلوبَهم، ولو كَانوا يُريدونَ الحقَّ لَشَرَحَ الله صدورَهم له، لكنّهم عِنْدَهُم - والعياذُ باللهِ -

الصفحة 290