كتاب تفسير العثيمين: الشعراء

إلى غير ذلك أشياء كَثِيرَة من هذا، إلا أنه قد يُلْزَم الإِنْسانُ بالشيْء إذا كَان مُفَرِّطًا مُهْمِلًا، مثل لوِ انقدحَ في ذِهنه أو قيل له: إن هذا الشيْء واجبٌ، ولكنه قال - كما يقول العامَّة -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١]، لا تُفَتِّشْ، غدًا يقول لك: هذا واجبٌ ويُحْرِجُونَني، أو هو يفعل شيئًا وانقدحَ في ذِهنه أنه حرام، أو قيل له: إنه حرام، وقال: لا، أخافُ إنْ سألتُ العُلَماء أن يقولوا: هذا حرامٌ، فهذا لا يُعْذَر؛ لأنه ليسَ بغافلٍ، واللهُ تَعالَى يقول: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: ١٣١]، يَعْنِي: ما طرأَ على بالهِم شيٌ، ولا يَعْلَمُون شيئًا، وأما الإِنْسان الَّذي طرأَ على بالِهِ لكنه فرّطَ في ترْكِ السُّؤالِ، فهذا يَنْبَغي أن يُلْزَم.
فإن قيلَ: بعض العوامّ صَعْبٌ أن يَتَغَيَّروا، فهل نُعْطِيهم العلمَ؟ !
قلنا: أَعْطِه العِلْمَ، قُلْ له مثلًا: إذا قمتَ للصلاةِ فكبِّر، ثمّ اقْرَأْ فاتحةَ القُرآنِ، ثم ما تَيَسَّر منَ القُرآن، وعلِّمه ما يَلْزَمْه، فكون اللهِ يُنْعِم عليك بالعلمِ أشدّ تَبِعَةً منَ المالِ، فالعلمُ أشدُّ تبعةً؛ لأنه في الحَقِيقَةِ نشرٌ للرِّسالَةِ، وتبليغٌ لِشريعة اللهِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: في قَوْلهِ: {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} إشارة إلى إمكَان الظُّلْم، ولكنه مُستحيلٌ شَرعًا، لا لِذَاتِه؛ لأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادرٌ على أنْ يعذِّب المطيعَ، وإنْ أطاعَ، فهذا ليس مُستحيلًا، ولكنّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى منزَّه عنه لكمالِ عدلِهِ.
وهذا فيه الردُّ على الجَهْمِيَّة، الَّذينَ يقولون: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَستحيل في حقِّه الظلم، يَستحيلُ لذاتهِ، ومُحالٌ لذاتِه.
وعلى رأيِهِم يَصير لا مَعْنى لقولِه تعالى في الحديث القُدُسِيّ: "يَا عِبَادِي إِنِّي

الصفحة 298