كتاب تهذيب الآثار مسند ابن عباس

48 - وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْعُذْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا، قَالَ: «§الْخِيَارُ إِلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ أَحَبَّ قَتَلَ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَخَذَ الدِّيَةَ» فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلَ، غَيْرَ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ، فَتَحْتَجَّ بِهَا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؟ قِيلَ: نَعَمْ فَإِنْ قَالَ: فَاذْكُرْ لَنَا بَعْضَ ذَلِكَ. قِيلَ: قَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ قَدِرَ عَلَى دَفْعِ الْمُرِيدِ إِتْلَافَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إِمْكَانُهُ مِنْ إِتْلَافِهَا، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ مُرِيدَ إِتْلَافِهَا بِحَقٍّ، فَقَدِرَ عَلَى دَفْعِهِ عَمَّا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إِمْكَانُهُ مِنْ إِتْلَافِهَا، كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ، إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَدِرَ عَلَى دَفْعِهِ بِحَقٍّ، إِمْكَانُ مُرِيدِ ذَلِكَ مِنْهُ مِمَّا يُرِيدُ مِنْهُ، وَتَرْكُ دَفْعِهِ عَنْهُ بِحَقٍّ وَهُوَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ قَادِرٌ، فَالْقَاتِلُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، إِذَا رَضِيَ مِنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بِالدِّيَةِ، قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ بِبَذْلِ مَا رَضُوا بِهِ مِنْهُ مِنَ الدِّيَةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إِتْلَافُهَا، وَهُوَ عَلَى إِحْيَائِهَا بِحَقٍّ قَادِرٌ، كَمَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَهُ إِمْكَانُ مَنْ أَرَادَ قَتَلَهُ -[37]- بِغَيْرِ حَقٍّ، إِمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ قَادِرٌ، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، سُئِلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَلَنْ يَقُولَ: فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. فَإِنْ زَعَمَ مِنْهُمْ زَاعِمٌ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ إِتْلَافُ نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِذَا دَفَعَ مُرِيدُ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ بِدَفْعِهِ إِيَّاهُ عَنْهُ، مَانِعُهُ مِنْ رُكُوبِ مَعْصِيَةٍ يَحْلُو لَهُ رُكُوبُهَا، فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ تَرْكُهُ وَرُكُوبُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ قَادِرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرِيدُ إِتْلَافَ نَفْسِهِ قَوَدًا. . . . . . الْمَقْتُولُ، أَنَّا لَمْ نُمَثِّلْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مَا فَرِقْتُ بَيْنَهُ، مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعْصِيَةٌ، وَالْآخَرُ طَاعَةٌ، وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا بَيْنَ ذَلِكَ: مِنْ أَنِّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُرَادِ إِتْلَافُ نَفْسِهِ، لَهُ السَّبِيلُ إِلَى إِحْيَائِهَا، وَجَعَلْنَا حُكْمَ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إِتْلَافُهَا وَهُوَ عَلَى إِحْيَائِهَا قَادِرٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَ أَحْكَامُهُمَا فِي مَعَانِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ أَحْوَالُ الشَّخْصَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ أَمْرَهُمَا مُتَّفِقَةٌ فِي كُلِّ الْمَعَانِي، وَمِنْ كُلِّ الْوجُوهِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قِيَاسًا لِلْآخَرِ فِيمَا قِسْنَاهُ بِهِ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ الْمُجْمَعُ عَلَى حُكْمَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكَمًا لِأَحَدِهِمَا بِمِثْلِ حُكْمِ الْآخَرِ مِنْهُمَا، لِاتِّفَاقِهِمَا فِيمَا وَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي -[38]-. فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ خَالَفَ مَا ذَكَرْتُ مِنَ السَّلَفِ أَحَدٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ فَإِنْ قَالَ: فَاذْكُرْ لَنَا بَعْضَهُمْ. قِيلَ:

الصفحة 36