كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 1)
هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ؛ فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ التَّيَمُّمَ مُطَهِّرًا كَمَا جَعَلَ الْمَاءَ مُطَهِّرًا، فَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:٦] الْآيَةَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُطَهِّرَنَا بِالتُّرَابِ كَمَا يُطَهِّرُنَا بِالْمَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِخَمْسِ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأُحِلَّتْ لَنَا الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدِ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وَفِي لَفْظٍ: «فَأَيُّمَا رَجُلٌ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ أُمَّتِي فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ، وَطَهُورُهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً»، وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثِ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، فَقَدْ بَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ اللهَ جَعَلَ الْأَرْضَ لِأُمَّتِهِ طَهُورًا كَمَا جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْته الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ بَشَرَتَك؛ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَأَخْبَرَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورَ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ التُّرَابَ لَا يُطَهِّرُ مِنْ الْحَدَثِ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَإِذَا كَانَ مُطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ؛ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ بَاقِيًا مَعَ أَنَّ اللهَ طَهَّرَ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ الْحَدَثِ فَالتَّيَمُّمُ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ مُطَهِّرٌ لِصَاحِبِهِ، لَكِنْ رَفْعٌ مُوَقَّتٌ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ، فَهُوَ مُطَهِّرٌ مَا دَامَ الْمَاءُ مُتَعَذِّرًا. اهـ
الصفحة 496