كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 3)

صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ المجْرُوحِ إذَا بَقِيَ فِي المُعْتَرَكِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ ثُمَّ مَاتَ؟ فَرَأَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ مَاتَ حَالَ الْحَرْبِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. وَالصَّحِيحُ: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الْفَصْلِ، أَوْ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَطُولُ الْفَصْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ المَوَاضِع، وَأَمَّا الْكَلَامُ وَالشُّرْبُ، وَحَالَةُ الْحَرْبِ، فَلَا يَصِحُّ التَّحْدِيدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: الذي صححه ابن قدامة -رحمه الله- اختاره المجد ابن تيمية، وصححه ابن تميم، وقال صاحب «الإنصاف»: وهو عين الصواب، وقد رجَّح هذا الإمام ابن عثيمين -رحمه الله-، وهو الصحيح إن شاء الله، والله أعلم.
ويدل على الصلاة عليه، وتغسيله إذا طال الفصل ما هو مشهور في السيرة أن سعد بن معاذ تأخر موته بعد أن رُمِيَ في غزوة الخندق أيامًا، فغسَّله النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وصلَّى عليه.
ويدل على عدم اعتبار الكلام أنَّ عمرو بن أقيش استشهد بأحُد، وحُمِلَ إلى أخته جريحًا، فأتاه سعد بن معاذ، فقال: أقاتلت غضبًا لله ولرسوله، أم لقومك؟ فقال: بل لله ولرسوله. فمات؛ فدخل الجنة، (¬١) ولم يُنقل أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استثناه من شهداء أحد بالغسل، والصلاة، والله أعلم. (¬٢)
---------------
(¬١) أخرجه أبو داود (٢٥٣٧) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بإسناد حسن، وهو في «الصحيح المسند» (١٣٩٣).
(¬٢) انظر: «المغني» (٣/ ٤٧٢)، «الإنصاف» (٢/ ٤٧٦ - ٤٧٧)، «المجموع» (٥/ ٢٦١)، «الشرح الممتع» (٥/ ٣٧٠).

الصفحة 436