كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 3)

النَّوَوِيّ تَبَعًا لِلْعَبْدَرِيِّ، وَالْحَازِمِيّ وَغَيْرهمَا: اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَة الْقُبُور لِلرِّجَالِ جَائِزَة. كَذَا أَطْلَقُوا، وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْره رَوَى عَنْ اِبْن سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيّ الْكَرَاهَة مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيّ: لَوْلَا نَهْي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لَزُرْت قَبْر اِبْنَتِي (¬١). فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْر بَعْد هَؤُلَاءِ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغهُمْ النَّاسِخ، وَاَللهُ أَعْلَم. وَمُقَابِل هَذَا قَوْل اِبْن حَزْم: إِنَّ زِيَارَة الْقُبُور وَاجِبَة، وَلَوْ مَرَّة وَاحِدَة فِي الْعُمْر؛ لِوُرُودِ الْأَمْر بِهِ. اهـ
قلتُ: والصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب أنَّ الأمر وقع بعد الحظر، ووقوع الأمر بعد الحظر من الصوارف للأمر عن ظاهره، والله أعلم.
• وأما بالنسبة لزيارة النساء؛ فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنهن يدخلن في الإذن المذكور في حديث بريدة: «فزوروها»، ومحله إذا أُمِنَت الفتنة، واستدلوا على الجواز أيضًا بحديث أنس -رضي الله عنه- في «الصحيحين» (¬٢) أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مرَّ على امرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتق الله، واصبري»، وموضع الدلالة منه: أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حُجَّة.
واستدلوا أيضًا بحديث عائشة -رضي الله عنها- عند الحاكم بإسناد صحيح (١/ ٣٧٦)، أنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقال لها ابن أبي مليكة: يا أم المؤمنين، من أين
---------------
(¬١) انظر الآثار المذكورة في «مصنف ابن أبي شيبة» (٣/ ٣٤٥)، وأثر الشعبي في إسناده مجالد الهمداني، وهو ضعيف، والآثار المذكورة محمولة على الزيارة البدعية، أو الشركية.
(¬٢) أخرجه البخاري برقم (١٢٥٢)، ومسلم برقم (٩٢٦).

الصفحة 560