كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 3)

قولان:
الأول: ما ذهب إليه الجمهور، وهو أنَّ الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوصِ بتركه، مع علمه بأنَّ الناس يفعلونه عادة؛ ولهذا قال عبد الله بن المبارك: إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئًا من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيء. والعذاب عندهم بمعنى العقاب.
والآخر: أن معنى: «يعذب»، أي: يتألم بسماعه بكاء أهله، ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة، وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما، قالوا: ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله: «السفر قطعة من العذاب»، وليس هذا عقابًا على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم.
قال الألباني -رحمه الله-: وقد يؤيد هذا قوله في الحديث «في قبره»، وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن، ثم بدا لي أنه ضعيف؛ لمخالفته للحديث السابع يعني حديث المغيرة بن شعبة المذكور في الكتاب الذي قَيَّدَ العذاب بأنه «يوم القيامة»، ومن الواضح أنَّ هذا لا يمكن تأويله بما ذكروا؛ ولذلك فالراجح عندنا مذهب الجمهور، ولا منافاة عندهم بين هذا القيد، والقيد الآخر في قوله: «في قبره»، بل يضم أحدهما إلى الآخر، وينتج أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة، وهذا بَيِّنٌ إن شاء الله تعالى. اهـ. (¬١)
---------------
(¬١) وانظر: «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ٣٧٠ - )، و «تهذيب السنن» (٨/ ٢٧٨).

الصفحة 565