كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 4)
يَجْرِي مَجْرَى الْوَكِيلِ؛ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ، فَيَتَقَيَّدُ بِمَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَلَفْظه: وَلَا تُؤْخَذُ ذَات عَوَارٍ، وَلَا تَيْس، وَلَا هَرِمَة؛ إِلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَل لِلْمَسَاكِينِ، فَيَأْخُذُهُ عَلَى النَّظَرِ. اِنْتَهَى. وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيع مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا مَعِيبَة مَثَلًا، أَوْ تُيُوسًا؛ أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا، وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ: يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاة مُجْزِئَةً؛ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ كَالْأَوَّلِ. اهـ
قلتُ: وهناك اختلاف آخر في ضبط (الْمُصَدِّق)، فذهب أبو عبيد إلى أنها بتخفيف الصاد، وفتح الدَّال المشددة، أي: صاحب المال، وتعقَّبَه الخطَّابي بأنَّ أكثر الرُّواة يضبطونه بتخفيف الصاد، وكسر الدال المشددة، أي: السَّاعي. وقد تقدم من كلام الحافظ -رحمه الله- معنى الروايتين.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٤/ ٤٠ - ٤١): وَعَلَى هَذَا لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ، وَهُوَ السَّاعِي، أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ؛ فَيَكُونَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، فَيَأْخُذَ هَرِمَةً، وَهِيَ الْكَبِيرَةُ مِنْ الْهَرِمَاتِ، وَذَاتَ عَوَارٍ مِنْ أَمْثَالِهَا، وَتَيْسًا مِنْ التُّيُوسِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ رَأَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ أَخْذَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَهُ أَخْذُهُ؛ لِظَاهِرِ الِاسْتِثْنَاءِ. اهـ
الصفحة 37