كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 4)

وهذا القول هو الراجح؛ لأنه إن اعتكف في مسجد لا تُقام فيه الجماعة فإما أن يترك الجماعة ويبقى في المسجد، وهذا لا يجوز، وإما أن يخرج كثيرًا، والخروج الكثير ينافي الاعتكاف، وهو مع ذلك يستطيع التحرز منه.
وأما حديث: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» (¬١)، فقد اختُلِف في رفعه ووقفه، والرَّاجح وقفُه على حذيفة، ومع ذلك فقد حمله جماعةٌ من أهل العلم على نفي الأفضلية والكمال، لا على نفي الصحة.
وأما بالنسبة للمرأة:
• فذهب أبو حنيفة، والثوري إلى أنَّ لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو قول الشافعي في القديم.
---------------
(¬١) الحديث مداره على سفيان بن عيينة، يرويه عن جامع بن أبي شداد، عن أبي وائل، عن حذيفة، به، وقد اختلفوا فيه على سفيان في رفعه، ووقفه، فرواه عنه مرفوعًا: محمد بن الفرج القرشي البغدادي عند الإسماعيلي في «معجمه» (٣٣٦)، وهو صدوق، وكذلك محمود بن آدم المروزي عند البيهقي في «الكبرى» (٤/ ٣١٦)، وهو صدوق أيضًا، وكذلك سعيد بن منصور كما في «المحلى» (٥/ ١٩٥)، وهو ثقة، وكذلك هشام بن عمار عند الطحاوي (٤/ ٢٠)، وهو صدوق له بعض الأخطاء.
ورواه عن ابن عيينة موقوفًا جماعة، وهم: عبدالرزاق كما في «مصنفه» (٤/ ٣٤٨)، والطبراني (٩٥١١) من طريقه، وهو ثقة إمام، وسعيد بن عبدالرحمن المخزومي، وابن أبي عمر العدني عند الفاكهي في «أخبار مكة» (٢/ ١٤٩)، وهما ثقتان.
وتابع أبا وائل على وقفه: إبراهيم النخعي، أخرجه عبدالرزاق (٤/ ٣٤٧)، وابن أبي شيبة (٣/ ٩١)، من طريق: الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم، به. وإبراهيم النخعي لم يدرك حذيفة، ولكنه يحكي قصة وقعت لحذيفة مع ابن مسعود، ورواية النخعي عن ابن مسعود صحيحة؛ لكونه لا يرسل عنه إلا عن جماعة ثقات؛ وعليه: فيظهر لي ترجيح الموقوف، والله أعلم.

الصفحة 504