كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 5)
«بل لأبد أبد». (¬١)
وهذه الأدلة قوية كما ترى، ولكن ثبت من حديث عروة بن مضرس أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال له وقد شكا إليه أنه لم يترك حبلًا إلا وقف عليه حتى أتعب نفسه وراحلته: «من صلَّى صلاتنا يعني بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تم حجُّه، وقضى تفثه». (¬٢)
فهذا الحديث نصٌّ أن من حج مُفرِدًا فحجُّه كامل، وقد ثبت عن كبار الصحابة أنهم كانوا يحجون مفردين، كأبي بكر، وعمر، وعثمان.
وإذا قيل: إنَّ حديث عروة بن مضرس خاصٌّ بمن لم يدرك كما هو حال عروة.
فيُجاب عنه: بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تكلم بكلام عامٍّ يشمل قضية عروة بن مضرس وغيره.
وقد اختار شيخ الإسلام -رحمه الله- في قصة أمر الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الصحابة أن يجعلوها عمرة، وغضبه وتحتيمه أنَّ هذا الوجوب خاصٌّ بالصحابة -رضي الله عنهم- في ذلك العام.
وصحح هذا القول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-؛ وذلك لأنهم خوطبوا به مباشرة، وكان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أراد مخالفة الجاهلية الذين يقولون: (إنَّ العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض)، فأوجب عليهم في ذلك العام أن يحلوا مخالفةً
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (١٧٨٥)، ومسلم (١٢١٨) من حديث جابر -رضي الله عنه-، واللفظ لمسلم.
(¬٢) سيأتي تخريجه إن شاء الله في «البلوغ» رقم (٧٤٢).