كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 6)

فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ -وَلَا يُفْعَلُ هَذَا إلَّا لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، إمَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ، وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ- وَغَيْرِ ذَلِكَ تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ، وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهَذِهِ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا؛ فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً؛ فَهَذِهِ حِكْمَةٌ مَعْقُولَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْعُقُولِ، وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ. اهـ (¬١)
فائدة: قال ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٦/ ٦١): لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ نَعْلَمُهُ، إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا. وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» (¬٢)، وَفِي لَفْظٍ: «إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. (¬٣) وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ؛ فَجَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَتْ مَنَافِعُهُمَا، وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، مَعَ تَقَارُبِ مَنَافِعِهِمَا. اهـ
---------------
(¬١) وانظر: «الشرح الممتع» (٨/ ٤١٠).
(¬٢) أخرجه الترمذي بهذا اللفظ (١٢٤٠)، بإسناد صحيح من حديث عبادة -رضي الله عنه-.
(¬٣) أخرجه مسلم (١٥٨٧)، وأبو داود (٣٣٤٩) (٣٣٥٠)، من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.

الصفحة 58