كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 6)

بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي اِنْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِفَسْخِ أَحَدهمَا.
قال: وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث مَالِك «إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ»، فَقَالَ الْجُمْهُور -وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ-: هُوَ اِسْتِثْنَاءٌ مِنْ اِمْتِدَادِ الْخِيَارِ إِلَى التَّفَرُّق، وَالْمُرَاد أَنَّهُمَا إِنْ اِخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ؛ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ، وَبَطَلَ اِعْتِبَار التَّفَرُّق، فَالتَّقْدِير: (إِلَّا الْبَيْع الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُر). قَالَ النَّوَوِيُّ: اِتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيح هَذَا التَّأْوِيل، وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ، وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ. اِنْتَهَى.
قال الحافظ: وَرِوَايَة اللَّيْث ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَرْجِيحِهِ. اهـ
قلتُ: وهي رواية الحديث الذي في الباب.
قال الحافظ: وَقِيلَ: هُوَ اِسْتِثْنَاءٌ مِنْ اِنْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: «أَوْ يُخَيَّرُ أَحَدهمَا الْآخَر»، أَيْ: فَيَشْتَرِط الْخِيَار مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَار بِالتَّفَرُّقِ، بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ. حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَرَجَّحَ الْأَوَّل بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ، وَتُعَيِّنُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ (¬١) مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل -قِيلَ: هُوَ اِبْن أُمِّيَّةَ، وَقِيلَ غَيْره- عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: إِلَّا أَنْ يَكُون الْبَيْع كَانَ عَنْ خِيَار؛ فَإِنْ كَانَ الْبَيْع عَنْ خِيَار وَجَبَ الْبَيْع. انتهى المراد من كلام الحافظ -رحمه الله-.
قلتُ: والصواب هو تأويل الجمهور؛ لصراحة حديث الباب في ذلك.
---------------
(¬١) في «السنن» (٧/ ٢٤٨) بإسناد صحيح.

الصفحة 7