كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 7)
مسألة [٢٤]: الوديعة تعتبر من جائز التصرف.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٩/ ٢٧٩): وَلَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ فَإِنْ أَوْدَعَ طِفْلٌ، أَوْ مَعْتُوهٌ إنْسَانًا وَدِيعَةً؛ ضَمِنَهَا بِقَبْضِهَا، وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِرَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّهِ النَّاظِرِ لَهُ فِي مَالِهِ، أَوْ الْحَاكِمِ؛ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا؛ صَحَّ إيدَاعُهُ لِمَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَالِغِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا، سَوَاءٌ حَفِظَهَا أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا؛ فَإِنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ أَكَلَهَا؛ ضَمِنَهَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى صَغِيرٍ سِكِّينًا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
قال: وَلَنَا أَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِإِتْلَافِهِ قَبْلَ الْإِيدَاعِ؛ ضَمِنَهُ بَعْدَ الْإِيدَاعِ، كَالْبَالِغِ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهَا. وَإِنَّمَا اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا، وَفَارَقَ دَفْعَ السِّكِّينِ؛ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ، وَدَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِهِ. اهـ
مسألة [٢٥]: إذا غصبت الوديعة على المودَع؟
قال ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٩/ ٢٨٠): وَإِنْ غُصِبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ المُودَعِ قَهْرًا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أُخِذَتْ مِنْ يَدِهِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِهَا فَسَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ لَهُ يُبِيحُ لَهُ دَفْعَهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ أُخِذَتْ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا. اهـ
تم بحمد الله ومنته في يوم الجمعة الموافق (٧/ ١١/١٤٢٦ هـ)
الصفحة 486