كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 8)
المالكية، والحنابلة، وأصحاب الرأي.
وقال ابن حزم بوجوبه وهو رواية عن أحمد، وقال الشافعي: التَّخلِّي لعبادة الله عزوجل أفضل؛ لأنَّ الله مدح يحيى -عليه السلام- بقوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران:٣٩].
والصحيح قول الجمهور؛ للأدلة الواردة في الحث على الزواج، وقد ذكر بعضها في الباب، ولأنَّ ذلك من سنن المرسلين، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨]، والنكاح فيه مصالح كثيرة يؤجر عليها الإنسان؛ فإنه يشتمل على تحصين الدين وإحرازه، وتحصين المرأة وحفظها، والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة، فمجموعها أولى.
وأما ما ذُكر عن يحيى -عليه السلام-؛ فهو شرعه، وشرعنا وارد بخلافه؛ فهو أولى. (¬١)
القسم الثالث: من لا شهوة له، إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعِنِّين، أو كانت له شهوة فذهبت بِكِبَرٍ، أو مرضٍ ونحوه.
• ففيه وجهان للحنابلة:
أحدهما: يستحب له النكاح؛ لعموم الأدلة الحاثَّة على الزواج.
الثاني: التخلي له أفضل؛ لأنه لا يحصل مصالح النكاح، ويمنع زوجته من التحصين بغيره، ويضر بها، ويحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق
---------------
(¬١) انظر: «المغني» (٩/ ٣٤١ - ٣٤٣) «الإنصاف» (٨/ ٧) «المحلى» (١٨١٥) «البيان» (٩/ ١١٣).