كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 9)

ابْنُ بَعْكَكٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ (¬١)، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ (¬٢) لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ أَنْ تَنْكِحَ فِي دَمِهَا. وَيُحْكَى عَنْ حَمَّادٍ، وَإِسْحَاقَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَطْهُرَ.
قال: وَأَبَى سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا: لَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجهَا؛ حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا وَتَغْتَسِلَ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. انتهى المراد.
قلتُ: وهذه الآية تخصص عموم الآية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]؛ فتكون هذه الآية خاصة بغير الحامل بدليل حديث سبيعة الأسلمية، وكان ابن مسعود (يقول: من شاء باهلته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة أشهر وعشر. (¬٣) يعني بذلك أنَّ قوله تعالى في سورة الطلاق {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} مخصص للآية التي في البقرة. (¬٤)
---------------
(¬١) أخرجه البخاري برقم (٥٣١٨)، ومسلم برقم (١٤٨٤).
(¬٢) أخرجه البيهقي (٧/ ٤٢٧)، من طريق: علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ولم يسمع منه، وفي الإسناد إليه: عبدالله بن صالح، وهو ضعيف.
(¬٣) أخرجه ابن جرير في تفسير سورة الطلاق [آية:٤] بإسناد صحيح، وهو أيضًا عند أبي داود (٢٣٠٧)، والنسائي (٣٥٢١).
(¬٤) وانظر: «البيان» (١١/ ٣٧ - ).

الصفحة 18