كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 9)

قال النووي -رحمه الله- في شرح حديث ابن عباس الذي في الباب: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر، وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة.
قال: وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث. اهـ (¬١)
قال ابن قدامة -رحمه الله-: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
وقال -رحمه الله- (١٢/ ٥١٢): أَمَّا إذَا غَلِيَ الْعَصِيرُ كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ، وَقَذَفَ بِزَبَدِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَإِنْ أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَغْلِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ حَرَامٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: اشْرَبْهُ ثَلَاثًا، مَا لَمْ يَغْلِ، فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا تَشْرَبْهُ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَغْلِ وَيُسْكِرْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «اشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (¬٢)؛ وَلِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُسْكِرِ خَاصَّةً.
ثم استدل ابن قدامة على ترجيح المذهب بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي في الباب.
ثم قال: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إذَا لَمْ يَغْلِ مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَحْرِيمِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: أَكْرَهُهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ
---------------
(¬١) «شرح مسلم» (٢٠٠٤).
(¬٢) أخرجه أبو داود برقم (٣٦٩٨) عن بريدة -رضي الله عنه- بإسناد صحيح.

الصفحة 581