كتاب فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4 (اسم الجزء: 9)

مسألة [٢]: التعزير بالعقوبات المالية.
قال ابن القيم -رحمه الله- في «الطرق الحكمية» (ص ٢٦٦ - ): وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ فَمَشْرُوعٌ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَعَنْ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا: إبَاحَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - سَلَبَ الَّذِي يَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِمَنْ وَجَدَهُ (¬١). وَمِثْلُ: أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَسْرِ دِنَانِ الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهَا (¬٢). وَمِثْلُ: أَمْرِهِ لِعَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بِأَنْ يُحَرِّقَ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ (¬٣). وَمِثْلُ: أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَ فِيهَا لَحْمُ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنُوهُ فِي غَسْلِهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ (¬٤)؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِالْكَسْرِ. وَمِثْلُ: هَدْمِهِ مَسْجِدَ الضِّرَارِ (¬٥). وَمِثْلُ: تَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالِّ (¬٦).
وَمِثْلُ: حِرْمَانِ السَّلَبِ الَّذِي أَسَاءَ
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١٣٦٤) عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
(¬٢) أخرجه الترمذي (١٢٩٣)، والدارقطني (٤٧٠٢، و ٤٧٠٦)، والطبراني (٤٧١٤) من طريق ليث ابن أبي سليم، عن يحيى بن عباد، عن أنس، عن أبي طلحة به وإسناده ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم.
(¬٣) أخرجه مسلم برقم (٢٠٧٧) عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
(¬٤) أخرجه البخاري برقم (٤١٩٦)، ومسلم برقم (١٨٠٢) عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-.
(¬٥) راجع ذلك في تفسير ابن كثير، تفسير سورة التوبة، آية (١٠٧).
(¬٦) ضعيف .. أخرجه أبو داود (٢٧١٥)، والحاكم (٢/ ١٣٠)، والبيهقي (٩/ ٢٠٣) من طريق الوليد ابن مسلم، حدثنا زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه.
قال ابن الملقن في «البدر المنير» (٩/ ١٣٩): وقال البيهقي: الأحاديث الواردة في الغلول ليس فيها أنه -عليه السلام- أمر بتحريق متاع الغال. قال: وفي ذلك دليل على ضعف هذا الحديث. قال: ويقال: إن زهيرًا هذا مجهول، وليس بالمكي. قلت: غريب. وقال الرافعي عن الشافعي: لو صح هذا الحديث قلت به. قال الرافعي: يريد أنه لم تظهر صحته. اهـ
قلتُ: وإن كان زهير بن محمد هو الخراساني؛ فرواية الشاميين عنه غير مستقيمة، وهذا منها؛ فالراوي عنه هو الوليد بن مسلم، وهو شامي.
وجاء من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:
أخرجه أبو داود (٢٧١٣)، والترمذي (١٤٦١)، والبزار (١٢٣)، والحاكم (٢/ ١٢٧ - ١٢٨)، والبيهقي (٩/ ١٠٢) من طريق صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من وجدتموه قد غل فأحرقوا متاعه». قال الترمذي رحمه الله: سألتُ محمدًا عن هذا الحديث، فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، قال محمد: وقد روي في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال، فلم يأمر فيه بحرق متاعه. انتهى.

الصفحة 599