كتاب الطرق الحكمية
وَشُهِدَ عَلَيْهَا: أَنَّهَا قَدْ بَغَتْ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهَا أَنَّهَا كَانَتْ يَتِيمَةً عِنْدَ رَجُلٍ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ؛ وَكَانَ كَثِيرَ الْغَيْبَةِ عَنْ أَهْلِهِ. فَشَبَّتْ الْيَتِيمَةُ، فَخَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا؛ فَدَعَتْ نِسْوَةً حَتَّى أَمْسَكْنَهَا. فَأَخَذَتْ عُذْرَتَهَا بِأُصْبُعِهَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ زَوْجُهَا مِنْ غَيْبَتِهِ رَمَتْهَا الْمَرْأَةُ بِالْفَاحِشَةِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ مِنْ جَارَاتِهَا اللَّوَاتِي سَاعَدْنَهَا عَلَى ذَلِكَ. فَسَأَلَ الْمَرْأَةَ: أَلَك شُهُودٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. هَؤُلَاءِ جَارَاتِي يَشْهَدْنَ بِمَا أَقُولُ. فَأَحْضَرَهُنَّ عَلِيٌّ، وَأَحْضَرَ السَّيْفَ، وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُنَّ. فَأَدْخَلَ كُلَّ امْرَأَةٍ بَيْتًا؛ فَدَعَا امْرَأَةَ الرَّجُلِ، فَأَدَارَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ؛ فَلَمْ تَزُلْ عَنْ قَوْلِهَا. فَرَدَّهَا إلَى الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ. وَدَعَا بِإِحْدَى الشُّهُودِ، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
وَقَالَ: قَدْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ مَا قَالَتْ، وَرَجَعَتْ إلَى الْحَقِّ، وَأَعْطَيْتهَا الْأَمَانَ؛ وَإِنْ لَمْ تُصْدِقِينِي لَأَفْعَلَنَّ، وَلَأَفْعَلَنَّ. فَقَالَتْ: لَا وَاَللَّهِ، مَا فَعَلْت، إلَّا أَنَّهَا رَأَتْ جَمَالًا وَهَيْبَةً، فَخَافَتْ فَسَادَ زَوْجِهَا؛ فَدَعَتْنَا وَأَمْسَكْنَاهَا لَهَا، حَتَّى افْتَضَّتْهَا بِأُصْبُعِهَا؛ قَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَنَا أَوَّلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّاهِدِينَ. فَأَلْزَمَ الْمَرْأَةَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ وَأَلْزَمَ النِّسْوَةَ جَمِيعًا الْعُقْرَ، وَأَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ، وَزَوَّجَهُ الْيَتِيمَةَ، وَسَاقَ إلَيْهَا الْمَهْرَ مِنْ عِنْدِهِ. ثُمَّ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ دَانْيَالَ كَانَ يَتِيمًا، لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ، وَأَنَّ عَجُوزًا مِنْ بَنْيِ إسْرَائِيلَ ضَمَّتْهُ وَكَفَلَتْهُ، وَأَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ كَانَ لَهُ قَاضِيَانِ. وَكَانَتْ امْرَأَةً مَهِيبَةً جَمِيلَةً، تَأْتِي الْمَلِكَ فَتُنَاصِحُهُ وَتَقُصُّ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ عَشِقَاهَا. فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، فَشَهِدَا عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَلِكِ أَنَّهَا بَغَتْ. فَدَخَلَ الْمَلِكَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَاشْتَدَّ غَمُّهُ، وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا. فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ قَوْلَكُمَا مَقْبُولٌ، وَأَجَلُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَرْجُمُونَهَا. وَنَادَى فِي الْبَلَدِ: اُحْضُرُوا رَجْمَ فُلَانَةَ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِثِقَتِهِ: هَلْ عِنْدَك مِنْ حِيلَةٍ؟ فَقَالَ: مَاذَا عَسَى عِنْدِي؟ - يَعْنِي وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهَا الْقَاضِيَانِ - فَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِذَا هُوَ بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ، وَفِيهِمْ دَانْيَالُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ دَانْيَالُ: يَا مَعْشَرَ الصِّبْيَانِ تَعَالَوْا حَتَّى أَكُونَ أَنَا الْمَلِكُ، وَأَنْتَ يَا فُلَانُ الْمَرْأَةُ الْعَابِدَةُ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ الْقَاضِيَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا. ثُمَّ جَمَعَ تُرَابًا وَجَعَلَ سَيْفًا مِنْ قَصَبٍ، وَقَالَ لِلصِّبْيَانِ: خُذُوا بِيَدِ هَذَا الْقَاضِي إلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَفَعَلُوا، ثُمَّ دَعَا الْآخَرَ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ الْحَقَّ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْتُك، بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ - وَالْوَزِيرُ وَاقِفٌ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ - فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّهَا بَغَتْ، قَالَ: مَتَى؟ قَالَ: فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: مَعَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. قَالَ: فِي أَيِّ مَكَان؟ قَالَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: رُدُّوهُ إلَى مَكَانِهِ، وَهَاتُوا الْآخَرَ. فَرَدُّوهُ إلَى مَكَانِهِ، وَجَاءُوا بِالْآخَرِ، فَقَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بَغَتْ. قَالَ: مَتَى؟ قَالَ: يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: مَعَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ:
الصفحة 55
292