كتاب التحرير الأدبي

3- البناء:
والمألوف في أسلوب البناء أن يتبع الكاتب تخطيطًا محددًّا بحيث تبدو الأحداث مترابطة يؤدي بعضها إلى بعض، وتتجه شيئًا فشيئًا إلى التعقيد الذي يتطلب الحل، وبذلك تسير في خط ممتد بين الهدف والنتيجة، وهذا الشكل هو الذي يتمثل في قصة "عنترة" فالهدف هو الزواج من "عبلة" برغم منافسة "عمارة" مرة، و"بسطام" مرة أخرى، وممانعة "مالك" أبيها في هذا الزواج، والنتيجة كانت إيجابية، وانتهت القصة نهاية سعيدة بزواج "عنترة" من "عبلة".
وفيما بين الهدف والنتيجة ظل "عنترة" يتأرجح، فهو مرة يجد هدفه قريب التحقق، ومرة يجده بعيدًا، ومن ذلك أن "عنترة" بعد أن أنقذ ديار القبيلة كلها من المغيرين حسب أن "مالكا" سيوافق على زواجه من"عبلة" وكانت"عبلة" قد خطبت "لعمارة" فأراد أن يستوثق من مشاعر "عبلة" نحوه أولا، ولكنها راوغته في الحديث، وانتهى الأمر "بمالك" إلى أن أخذ أسرته كلها وهجر دياره، لكي يعيش مع أصهاره "بني شيبان، وعاد "عنترة" بعيدًا عن تحقيق هدفه، بعد أن ظن أنه قريب منه.
والأثر الفني لهذا الشكل البنائي في القصة أنه يشوق القارئ إلى الاستمرار في متابعة الأحداث في القصة حتى النهاية، لكي يعرف على أي نحو تكون النتيجة. وقد بنى الكاتب هذه القصة الطويلة من ستة عشر فصلًا في تخطيط محدد، وترابط وثيق، لتكوين العقدة بوضع العقبات في طريق زواج "عنترة" من "عبلة": فهو عبد أولا، و"عمارة" يخطبها مرة، و"بسطام" مرة أخرى، وأبوها يعارض، ثم يضع شرطًا صعبًا يؤدي إلى مغامرة كاد يذهب "عنترة" ضحيتها، وهي "النوق العصافير". ثم يأتي الحل السعيد بتحقيق الأمل، وإتمام الزواج، وقد نجح الكاتب في بناء هذه القصة المشوقة.

الصفحة 307