كتاب الرسالة المحمدية
بعد ما طلقها زيد، وبذلك امّحى هذا الرسم الفاسد، ولم يبق له أثر بعد عين.
إنّ حياة الرسول ملأى بالأمثلة، وعامرة بالوقائع التي تدل على أنه صلّى الله عليه وسلم قدّم حياته للإنسانية لتكون أسوة لأبنائها. وأنا طمعا مني في الإيجاز، ووقوفا بالسامعين عند هذا الحدّ لكيلا يسأموا، أمسك عن الإطناب في هذه المحاضرة؛ لأن الوقت قصير، والبحث طويل.
مقارنة بينه صلّى الله عليه وسلم وبين الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام:
إخواني! تأمّلوا حياة الأنبياء من آدم إلى عيسى! .... وتفكّروا فيمن سلف من المصلحين، والذين بعثوا بهداية الخلق؛ من الشام إلى أقصى الهند، فهل تعرفون واحدا منهم عمرت حياته بمثل هذه الأعمال الجليلة المتنوعة، وبمثل هذه الأفعال العظيمة الكاملة؛ التي يرى فيها الناس أسوة لهم، ومنهاجا لحياتهم الشخصية والاجتماعية؟
وإليكم الآن كلمة واحدة: إنّ أحد الواعظين والخطباء يذكر في مواعظه وخطبه (الحبّ الإلهي) بكلمات عذبة، وألفاظ فصيحة رائعة، ولكن- كما قيل- إن الشجرة تعرف من ثمرها، فماذا كان أثر الحبّ الإلهي الطاهر في حياته العملية؟ ولكن تعالوا ادرسوا سيرة هذا الرسول العربيّ الذي كان يحبّ الله؛ تجدوه قائما في ظلمات الليل يصلّي والناس نيام.
ثم ترونه باسطا ذراعيه إلى السماء يسأل ربه إقامة الحق، وتيسير الخير، وقلبه خاشع، وطرفه دامع، ولسانه رطب بحمد الله، وتسبيحه، وتمجيده، أليست هذه هي صورة الحبّ الإلهي في أكمل حالاتها؟
إنّ نبي الله عيسى ابن مريم لما قبض عليه أعداؤه، وأرادوا صلبه، انطلق لسانه مناديا: «إيلي، إيلي، لم سبقتني!» أي: ربي، ربي، لماذا تركتني، وخذلتني. أما محمد رسول الله فإنه لما دنا من الموت، وأيقن أنّه تارك هذه الدنيا، وكادت روحه الطاهرة تفيض صاعدة إلى ربها، أخذ
الصفحة 175
224