كتاب الرسالة المحمدية
ما هي السّيرة الكاملة الجامعة في الرّسول، وماذا بلغ عن ربّه؟
سادتي! بينت فيما سبق من المحاضرات الستّ أنّ حياة الأنبياء هي التي يجدر أن تتّخذ أسوة، وأنّ سير الرسل هي التي تستحقّ أن تكون قدوة لبني آدم أجمعين من بين سائر الطوائف العليا من الناس، وأنّ السيرة التي تستحقّ أن تكون أسوة لجميع الناس إلى يوم القيامة من بين سير جميع الأنبياء والمرسلين هي سيرة محمّد صلّى الله عليه وسلم في حياته الشريفة.
ولما تبيّن أنّ سيرة الرسول العربي هي السيرة «المثالية» وفيها الأسوة الكاملة للعالم كلّه، فإنّ لسائل أن يسأل: ما هي الحياة الكاملة، والسيرة الجامعة في هذا الرسول، وأيّ شيء في رسالته للناس من ربّ العالمين، وماذا بلّغ الناس عن ربّه، وما هي الأحكام اللازمة في رسالته التي بعث لأجلها هذا النبيّ الذي ختم الله به رسالاته، وأغناهم به عن أيّ نبيّ يأتي بعده، وكيف أصلح خاتم الرسل برسالته الأحكام السالفة من الأنبياء السابقين، وأكمل ما كان ناقصا منها بسبب مقتضى البيئة، وطبيعة الحال؟
ولا شكّ أنّ الله سبحانه قد بعث كثيرا من الأنبياء في مختلف العصور، وأنزل للبشر أحكاما على ألسنة رسله، وقد قلنا مرارا، وأثبتنا بدلائل واضحة أنّ أولئك الرسل خصّت رسالاتهم ببعض الأمم ولبعض الأزمان، لذلك لم تمسّ الحاجة إلى حفظها من عوامل التصحيف والتحريف، ولم تتعلق عناية الله بصيانتها من أيدي البلى، وعبث الدّهر، ووجدت بعد ضياعها تراجم دخلها كثير من التغيير والتبديل، فبعدت التراجم عن أصلها كلّ البعد، واختلفت، وألحق بها، وزيد فيها كثير ممّا لا أصل له في الصّحف المنزلة، وأنّ ضياع تلك الأصول الأولى دليل واضح على أنّ تلك الرسالات كانت لزمن محدود قد مضى، ولولا ذلك لاقتضت حكمة الله بقاء أصولها.
الصفحة 178
224