كتاب الرسالة المحمدية

والحكمة، وقد وصف الله المسلمين بأنّهم وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة: 4] ، وفي موضع آخر من البقرة وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: 177] ، وفي سورة البقرة أيضا: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285] فليس للمسلم أن يؤمن ببعض الرسل، ويكفر ببعض، وقد خاطب الله المسلمين جميعا بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء: 136] .
سادتي! هل تعلمون أحدا علّم مثل هذا التعليم فسوّى بين الهداة من جميع الملل والنحل في إعظامهم، وإكرامهم، والأدب معهم، والاعتراف بجميلهم، وتصديقهم فيما دعوا إليه من حق؟ وأين ترون مثل هذه الرّوحانية العامّة، والإخاء الشامل؟ أجيبوني بصدق: أليس رسول الإسلام رحمة للعالمين، حيث علّم الناس كيف يرعون شرف الهداة، وعظمة حملة الرّسالات الإلهية، فعمّت دعوته، واتّسعت رحمته حتى نال كلّ شعب من شعوب البشر، وكلّ أسرة من أسرهم نصيبا من ذلك، ولقد اتخذ المتدينون بجميع الدّيانات وسائط ووسائل بينهم وبين الله، معتقدين أنّهم لا يصلون إلى الله المعبود إلا أن يتوسط بينهم من زعموه أهلا لذلك، فكانت السّدنة وخدمة المعابد وسائط الناس إلى الله في قديم الزّمان، وحتى اليهود اتخذوا من سبط لاوي، ومن تناسل منه شفعاء بينهم وبين ربهم، والنصارى جعلوا بعض الحواريين، وخلفائهم من الرّهبان والقسيسين وسائل يتوسلون بهم إلى الله، وقد غلوا في رفع مراتبهم، حتى بلغوا بهم مبلغا لم يبلغه مقرّب عند الله، فزعموا أن ما يربطه هؤلاء الشفعاء في الأرض؛ فهو مربوط في السّماء، وما حلّوه في الأرض؛ فهو محلول في السماء، وأنّ لهم أن يغفروا للناس خطاياهم، ويسقطوا عنهم آثامهم، وأنّ العبادة لا تقبل عند الله إلا بوساطتهم، وكذلك براهمة الهند زعموا أنّهم مخلوقون من يمين الله، وأنهم الوسائط بين الخلق والخالق، وأنّ العبادة الهندوكية لا تقبل إلا بهم، وعلى أيديهم، أما الإسلام فلا يعترف بطائفة

الصفحة 196