كتاب الرسالة المحمدية

خاصّة من سدنة المعابد، وخدّام المساجد، وأحبار الدّين، وليس في الإسلام رهبانية، ولا يرضى أن تكون فيه فئة تتخذ الدّين مهنة، ومصدر رزق، وليس لأحد أن يعطي، أو يمنع، وما بيد أحد شيء من أمر الحلّ والعقد، بل كلّ ذلك بيد الله، فهو الذي يغفر الذنوب وحده، وليس بين العبد ومعبوده والمخلوق وخالقه أيّ تدخّل لأحد في عبادة الله ومناجاته، ولكلّ مسلم أن يصلي بالناس، وأن يؤمّهم، وأن يذبح أضحيته بيده، وأن يعقد النكاح، ويقوم بجميع أمور الإسلام وأوامره، والإسلام يعلّم أتباعه قول الله عز وجل ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] وأنّه يجيب دعوة الدّاعين مباشرة، وبلا واسطة، فكلّ مسلم يدعو ربه متى شاء، ويناجيه، ويبثّه حزنه، ويشكو إليه ضرّه بلا أيّ واسطة، فالمسلم هو قسيس نفسه، وهو برهميها حين يعبد ربّه متحرزا من قيود البراهمة والقسيسين.

دين الله بين الذين غلوا في الأنبياء والّذين فرّطوا فيهم:
لقد بعث الله رسله وأنبياءه إلى البشر بالهداية وإصلاح المجتمع الإنسانيّ، ولكنّ الناس أفرطوا فيهم، أو فرّطوا. فمنهم من غلا في تعظيمهم، فرفعهم من منزلة الرّسل، والأنبياء، والهداية إلى منزلة الإله المعبود، أو إلى منزلة شبيهة بذلك، وإنّك لترى في هياكل الشام، وبابل، ومصر تماثيل الكهنة والأحبار تمثل الله عز وجل، وتنتحل بعض صفاته، وكذلك الهنادك جعلوا الأنبياء المبعوثين فيهم بالهداية والحكمة آلهة متجسّدة، وكذلك فعل أتباع بوذا، والجينيون بصلحاء ملّتهم، وهداة نحلتهم، فاتخذوهم أربابا، وهذا ما فعله النّصارى بنبيّهم عيسى ابن مريم سلام الله عليه، فاتخذوه ربا، ودعوه ابن الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوّا كبيرا، ذلك ما أفرط به الناس في حقّ الأنبياء، وآخرون قصّروا في حقّهم، وفرّطوا، كما فعل بنو إسرائيل في كلّ من تكهن، أو تحدّث عن أمر المستقبل، فجعلوه نبيا. ولا يتوقف مقام النبوّة عندهم إلا على أن يتحدّث أحد كهانهم في أمر المستقبل، أو أن يتوسّم أمرا فيقع، ولا يلزمه أن يكون ممن يتّقي الماثم، فضلا عن أن يكون عند الله معصوما صالحا، لأجل ذلك ترى في صحف بني إسرائيل أمورا منسوبة إلى الأنبياء تنافي

الصفحة 197