كتاب الرسالة المحمدية
الحنان والأمومة، وإلهة الحبّ والغرام، فعبروا عن حبّ الله بنوع من العبادة، وعن حنانه عليهم بحنان الأم على ولدها، فانقلب الإله عندهم أما حنونا، ونحتوا له صورة أمّ حنون، وأخذوا يعبدونها، ويسجدون لها.
والطوائف الآخرى من الهنادك قد أظهروا هذا الحبّ الإلهي لعباده وحنانه عليهم بما بين الحليلة وزوجها من المودة والمحبة، فاختار لفيف من الرجال زيّ النّساء وهيئتهن، وتأنثوا، وتخنثوا شكلا وأخلاقا، على زعم أنّ الله يحبّهم كما يحبّ الزوج حليلته.
وكما ظهر الإله عند الروم والإغريق في صورة امرأة.
أما الأمم السّاميّة فقد تمثل الإله عندها رجلا وأبا؛ إذ كان ذكر المرأة عندها على ملأ من الناس مخالفا للآداب السّاميّة، وكان الأب هو رأس الأسرة وأصلها، ويدلّ عليه ما استخرج من بطون الأرض في بابل، وأثور، وديار الشام من تماثيل تصور الإله بصور الرجال، وكذلك بنو إسرائيل، يظهر أنهم في بدء أمرهم كانوا يتصوّرون الله بصورة الأب، ويحسبونه والدا، ويحسبون الملائكة وسائر الناس أولادا له، ثم ضاق نطاق تفكيرهم، فلم يبق للإله أولاد عندهم سوى بني إسرائيل.
ويوجد في بعض صحف بني إسرائيل ما يدلّ على أن الرابطة كانت بين الإله وبني إسرائيل كالرابطة التي تكون بين الزوج وحليلته، وأنّ بني إسرائيل وأورشلم حلائل، والإله زوجهن، تعالى الله عما يقولون ويتصورون!!.
وقد أخطأ المنتسبون إلى المسيح عليه السلام، فجعلوا ما كان بادىء بدء استعارة كأنّه حقيقة ثابتة. وانقلب تشبيه الإله بالأب لحنانه على نبيه عيسى عليه السلام، ورأفته به، فاعتبروه حقيقة، والإله الذي لم يلد ولم يولد اعتبروه والدا، وعيسى ولده.
وشبيه بذلك ما نجده عند قدماء العرب من ظنّهم بالله أنّه أب، والملائكة بنات له، فلما بزغت شمس الإسلام انكشفت ظلمات التشبيه، والتمثيل كلّها، وانجلى قتام الشّرك، وأهمل استعمال جميع الكلمات التي
الصفحة 202
224